مريم الصغيرة ذات الأعوام الستة إعتادت على الإتكال على والديها و خادمتها في كل شيء
كل ما تفعله هو التفرج على الحياة....بينما مشط الشعر و الأكل و الدراسة و كل شيء يخطر ببال يقوم به الآخرون عنها
و كان هذا الإعتماد طبيعيا لسنها الصغير...و عندما كبرت لم تتغير معاملة الأبوين...و لم تتغير الخادمة التي كانت تقوم بشؤونها
كبرت و نضجت و صارت ذات أربعة عشر ربيعا
حينما حاولت أن تقوم بخياطة وسادة أسوة بإحدى صديقاتها في المدرسة التي رأتها و هي تحيك وسادة ذات زخارف بارعة
و اشتعلت حاسة الغيرة الأنثوية لديها و هبت لكي تحاول...و في أول محاولة بدأت خطوتها في الخياطة بشكل عشوائي
كأنها كانت تريد أن تنجز كل شيء بلحظة واحدة فهي تحاول أن تدخل الخيط في الإبرة و بالها مشغول بنفس الوقت بقطعة القماش هل هي مستوية؟ هل هي مربعة؟ هل هذا اللون مناسب
ذلك حينما أصابت الإبرة إبهام إصبعها و حدث إثر ذلك جرح بسيط
كالعادة...إستجارت بابويها و خادمتها...و لم يكن في المنزل غير والدتها
الوالدة؟ ماذا مريم؟ ماذا حدث؟؟
أرتها مريم أصبعها ...فما كان من الأم إلا أن هبت بسرعة إلى علبة الإسعافات الأولية و أخرجت مطهر و ضماد و شريط لاصق
الأم و هي تفتح العلبة:أنت مجنونة؟؟ ماذا فعلت ...ألا تعلمين أن هذه الإبرة من الممكن أن تكون ملوثة ماذا فعلت بنفسك يا إلهي
كم مرة يجب أن أخبرك أن لا تعبثي بأشياء من دون علمي...إذا كان لديك وقت فأقضيه بدراستك
لقد تعبت منك...(الأم تلصق الشريط على مكان الجرح)ألا تعلمين أن الخياطة لها دورات خاصة و أنه ليس هناك من احد بدأ بالخياطة من أول يوم
***
الواقع أن هذا السيناريو يتكرر كثيرا و لكن في صور مختلفة
فلقد نهرت مرارا....مرة لأنها زينة غرفتها بأوراق و قصاصات من صنعها و مرة لأنها إستخدمت منظف المرايا لتنظيف ساعة يدها
و مرة لأنها إبتعلت حبة البنادول من غير إستشارة من والدتها
***
و عندما بلغت مريم الثالثة و العشرين كانت نسيج متماسك من تلك التربية المتواكلة
فقد تورطت في ثلاث حوادث سير مع بداية قيادتها للسيارة و اضطرت الأم أن تعفيها من القيادة و صارت تذهب إلى الجامعة مع السائق
و في المادة التي طلب منهم الدكتور البحث و لم تأت مريم بالبحث...فكادت أن تحصل على درجة الرسوب لولا أن والدتها ذهبت إلى الجامعة لكي تتدخل
***
في سن الخامسة و العشرين إختار أبواها زوجا لها
و لم تزل مريم المتزوجة على عادتها القديمة فلم تحرك ساكنا
و افترضت أن زوجها هو الموفر الأساسي الذي ستعتمد عليه
إفترضت أنه سيطهو و يطبخ و يغسل الملابس و يأتي بخادمة تشاركهما هما الإثنان السكن
و افترضت أنه سيفعل كل شيء بينما تمارس هي رياضتها المفضلة ...اليوجا أمام التلفاز طوال اليوم
للأسف تطلقت مريم بعد هذا الزواج غريب الأطوار بعد ستة شهور
***
و في سن السادسة و العشرين تستطيع أن ترى مريم بوضوح و قد إزداد وزنها و هي على الأريكة تبحث عن برامج لم ترها من قبل
تدخل عليها والدتها و هي غضبى و تكاد تميز من الغيظ....إجتزت الإشارة الحمراء ثلاث مرات؟؟؟
مريم بارتباك:لا أدري أمي ..لكنني أقود السيارة بهدوء و اعتدال
الأم:انت وضعت ابيك في ورطة لأن سيارتك باسمه و هو يتحمل وزر مخالفات ثلاث سيارات في المنزل
مريم:و ماذا تريدينني أن أفعل؟؟
الأم:آآآآه لو تعتمدين على نفسك لو تريحين أمك المرهقة من هذا العناء أخبريني لماذا لا تتحملين المسؤولية
هل هذا ما ربيتك عليه؟؟
مريم لم ترد على أمها
و يبدو أنني أنا المدون المتطفل على هذه القصة سأرد على الأم
نعم أنت من غرس فيها عدم المسؤولية
ربما تحب الدببة أبنائها و ربما تقفز عليها و تنام فوقها وقت الخطر لكي تحميها من الخطر القادم و لكن أطفالها يموتون رغم نيتها حمايتهم
***
من القصة السابقة أردت أن أوضح أصل السلوكيات لدى الإنسان فعقل الإنسان مستقبل ذكي و محلل فطن للمواقف
فالمواقف التي يمر بها الإنسان تشير له إلى أن يلتزم بعض الأفعال و يترك بعض الأفعال
و في حالة مريم ظلت تستقبل رسالة مفادها أن المسؤولية أمر لا يعنيك في شيء من قريب و من بعيد
و سيهب أحدهم للنجدة في اللحظة المناسبة دائما
عليك فقط أن تبقي حية...يبدو أن هذه هي الوظيفة الحيوية المطلوبة منها
و كذلك تغرس صفة الكذب كسلوك ملازم للفرد فمن خلال الطلب من الطفل أن يكذب على المتصلين و يخبرهم أن والده أو والدته في الخارج و تكرارهذا الموقف يعد ترسيخا مباشرا على أن الكذب مبرر حال كنا في مزاج سيئة مثلا
***
إذن المكون الأول لأصل سلوكياتنا هو تكرار الموقف و الذي ستنتناوله قريبا بإذن الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق