الاثنين، 10 ديسمبر 2007

حب الخلود

تقتله الهموم و تترصد له الدوائر
أفكاره سوداء كالسماء في تلك الليلة التي كان يتسكع فيها بالشوارع لا يلوي على شيء
حياته غريبه
أو بالأحرى فارغة
قلبه الحزين يأن و هو ينبض
في نظراته إستجداء للشفقة من كل شيء يراه أمامه
أضلعه الضعيفة التي كانت تحمي قلبه و أعضائه....صارت مجرد سجن حبس بداخله لكي يموت ألما في هذا الجسد المتعب
في لحظة حزن واحدة أصبح يرى كلام الناس مجرد أساطير و تطلعاته مجرد أوهام
لا شيء يمكن أن أسميه حقيقيا...فنفسي التي أعيش فيها لم أسلم لها بانها من الحقيقة في شيء
خدمة هذا الجسد كثيرا و خدمة هذه الدنيا كثيرا و مع ذلك غدر بي الزمن
فلا جسمي إنتعش و صار على أحسن حال...ولا الدنيا إبتسمت و أغدقت علي من خيراتها
في كل أرض يمشي عليها ينظر إليها بحزن...يقول في نفسه ...في كل ثلاثة خطوات أمشيها على الأرض تصلح أن تشق الأرض و تكون قبرا لي في أي مكان أطأه بقدمي
الملابس التي يلبسها أصبحت مصدر تعاسة له....فهي تذكره بكفنه
إذن كانت هذه الدنيا التي عشتها مجرد لعبة فيها بعض الجد
كل هؤلاء الباعة الذين يبتسمون له في السوق و يدعونه إلى بضاعتهم يريدون ماله
و لديه سبعة من الأبناء ينتظرون وفاته بفارغ الصبر لكي يتقاسموا مبلغ البيت الذي يقطنه
السائق يحترمه خوفا منه لأنه يستطيع أن ينهي خدمته في أي وقت
هذه الحياة مجرد فرصة لكي أقضي على الأضعف مني و يقضي علي الأقوى مني
و الكل يضع الحواجز و يسن القوانين و يحاول جاهدا أن لا يتم القضاء عليه
كان تعيسا جدا....يلمس قطع النقود المعدنية التي في جيبه يبحث عن قطعة اكبر لكي يعطيها لصاحب المقهى ثمنا للشاي الذي شربه بسرعة ...و لم يكن لديه غير هذه النقود المعدنية فذهنه الشارد أنساه أين وضع محفظته
سمعه ضعيف...و الكل يصرخ فيه لكي يستطيع هو سماعهم...و نظره كليل يجتهد لكي يقرأ لافتات المحلات؟
يسأل نفسه ...هل هذه النهاية إذن؟
ترجو البقاء بدار لا بقاء لها فهل سمعت بظل غير منتقل!!؟
ينظر إلى المرآة نظرة إستغراب...كأنه في الأمس كان شابا يافعا وسيما
فما بال كل هذه التجاعيد و ما بال هذا البياض التهم الشعرات السود
لا يزال في نفسه روح الصبيانية...و إن لم تكن موجودة فهو يستدعيها بين الحين و الآخر لعل هذه الذكرى تسلي نفسه
إذا شاب رأس المرأ أو قل ماله فليس له في ودهن نصيب
تخلى عن كبريائه أخيرا فبعد كل سنوات التقاعد صار يتودد إلى الكل يطلب الحديث حتى مع الأطفال الصغار
لا يريد أن يخسر أحدا....يشغل وقته في الكلام عن السنين التي مضت...لا بئس بقليل من المبالغة
فليس هناك من شهود على تلك الوقائع و من الضروري إضافة القليل من الحماسة
أحيانا ينتابه هذا الفزع مما وصل إليه من العمر و أحيانا أخرى يستسلم للحقائق
و يفوض أمره ويرجئ الخوف إلى أجل مسمى
***
تكاد ترى وجهه المتوتر خارج المختبر و هو ينتظر نتيجة التحاليل التي أجراها بعد شعوره الأخير بالإعياء
***
أتعلمون أيها الأعزاء لماذا هو تعيس هكذا؟؟؟
إنه يحب الخلود...و من لا يحب ذلك؟؟
المشكلة في الذين يحبون الخلود في الدنيا أن شعورهم يقضي بأن الدنيا هي كل شيء فمن فاتته الدنيا فات منه كل شيء
و ما أسعد من يرى نفسه خالدا في الاخرة في جنة الرحمن بأنهارها تجري من تحت قدميه
و عمل لذلك...ساعتها لن يضيره الذهاب من هذه الدنيا شيئا
و لن يشعر بكل هذا الهم....فالخلود خلود النعيم
فقد قال تعالى في اليهود أن الواحد منهم
"يود أحدهم لو يعمر ألف سنة"
و لكن جواب الرحمن كان منطقيا على تعميرهم كل هذه السنين
"و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر"
حقا إن الخلد يكون من بعد موتة الدنيا و ليس قبله
و صدق قول الشاعر
ثلاثة أيام هي الدهر كله و ما هي إلا الأمس و اليوم و الغد
أنظر إلى حياتك نظرتها التي تستحقها ولا تعطيها أكثر من حقها و مقامها
فاللهم إجعلنا من الخالدين في جنة النعيم

ليست هناك تعليقات: