الجمعة، 21 ديسمبر 2007

الوحيد


في أيام المدارس كان يوجد شخص مشاغب يحتل مركز الصدارة في التخريب و إيقاظ الروح الشريرة لدى باقي الأولاد في العبث و القفز و إفراغ طاقتهم الصبيانية في كل شيء و في أي مكان

و يوجد كذلك هذا الولد المنعزل و المنطوي....يختبأ خلف نظارته....نحيف و شاحب اللون

كان الموت أحب إليه من أن يتحدث مع أبناء صفه من التلاميذ

و مع ذلك لم يكن مكتئبا

كان يمضغ طعامه بهدوء تام في فترة الطعام...و عندما ينظر إليه احدهم...يرجع إليه النظرة بسرعة و من ثم يتحول بنظره إلى مكان آخر

خطه رديء و صوته منخفض جدا عندما يتكلم

هل تعتقد أنه بلا أصدقاء؟؟

في مفهومنا نحن ربما

و لكن الذي لا نعرفه عنه...أن سبب قلت كلامه أنه كان يحدث نفسه كثيرا إلى درجة ينشغل بها عمن حوله

شيء غريب حقا و لكنه إجتماعي مع نفسه لا مع الآخرين

كان كل ما حوله يحدثه إلى درجة يصعب معها الإصغاء إلى أهله و أصدقائه

***

لم أكن أفقه هذا المعنى كثيرا..إلى آن وجدت بعض صوره و تجلياته في رواية القنفذ لزكريا تامر

و عنوان الرواية معبر حقا...فالقنفذ بشوكه يوحي أنه لا يريد الإقتراب من أحد...يعيش لوحده و يهدد كل من حوله بسلاح صامت إن حاولوا التقرب منه...في هذه القصة يتكلم الطفل مع كل شيء تقريبا مع القطة و مع الحيطان و الثمار و الأشجار و السمك

و كنت أنا أقترب من هذا المعنى بحسي...فلم أكن أرى الجمادات جمادات بطبعها

أليست هذه الأمم من الحيوانات هي أمم مثلنا؟؟

وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم

ألم يسمع سليمان كلام النملة؟ ألم يحن الجذع للرسول صلى الله عليه وسلم؟

أليست الجبال تأوب و تسبح مع سيدنا داوود عليه السلام أليس الحديد يلين بين يديه؟

أليست الريح تطيع سليمان عليه السلام؟

فكان إنطباعي الأولي أن ما حولنا من أشياء و حيوانات ليس من الصعب إستنطاق معانيها و حالاتها

فلم أعد أرى حالة الطفل الذي تكلمت عنه في البداية غريبة

أحيانا يختار أحدنا من يريد أن يتآلف معه و يتخادن معه

***

يقول زكريا تامر في روايته القنفذ عن الطفل الصغير المشاغب

سألت صديقي الحائط الأسود الحجري المفضل لدي عن آخر أخبار بيتنا، فقال إن كل شيء هادئ ولا جديد يستحق الذكر

فقلت له:و لكن أمي عابسة الوجه

قال الحائط:إذا كانت حيطان غرفة أمك و أبيك غير كاذبة فعبوسها لا سبب له سوى اختلافها مع ابيك

قلت و لماذا اختلفت أمي مع أبي؟

قال الحائط أبوك اقترح الإنتقال إلى حارة جديدة و بيت جديد و أمك رفضت فورا اقتراحه و قالت إنها تحب هذا البيت و لن تتركه

قلت و لكننا إذا إنتقلنا إلى بيت جديد فلن تستطيع الإنتقال معنا؟؟

فقال الحائط ساخرا: لا تقلق.سأزكيك لدى الحيطان الأخرى حتى تحكي معك و تسليك

فلمست الحائط بيد حانية ، و قلت له : و لكن الحيطان الأخرى لن تكون مثلك و لن تحل محلك؟

قال الحائط:كف عن لمسي و إلا بكيت و من المعيب أن تبكي الحيطان

فتركت الحائط و هرعت إلى أمي و قلت متسائلا أصحيح أننا سننتقل إلى بيت جديد؟

فقالت أمي لي:ألن تبطل عادتك في التجسس و التنصت على أحاديث الآخرين

***

بالنسبة لي كان هذا الحوار شائقا و جميلا بين حائط و طفل صغير يخشى الإنتقال من منزله إلى منزل آخر لا يعرفه

و الذي يجب أن نعتقده في قليلي الكلام أن سبب ذلك أنهم يستنطقون ما حولهم و يحدثون أنفسهم في لحظات يتذكرونها في الماضي و ليس السبب في ذلك أنهم لا يجدون ما يقولونه!

الأمور الحية هي الأمور التي نراها نحن حية في أنفسنا...فإذا أحببت شيئا فسيظل حيا في نفسك وإن مات في العالم الذي نعيشه

و إن تفاعلت مع شيء ستراه ينطق و لو لم يكن ناطقا

إن أجمل ما في هذه الحياة أن الجمال يصدر من عيون الناظر لا من المنظر الذي يراه

فانظر إلى أمورك و بث فيها الحياة و استشعر جمال اللحظة بكل مكوناتها من بشر و جمادات و غيرها

الأربعاء، 19 ديسمبر 2007

افعل ولا حرج



هو كتيب صغير قدم له ثلاثة من العلماء الأجلاء و هم الشيخ عبدالله المنيع عضو هيئة كبار العلماء و الشيخ الدكتور عبدالله بن جبرين و الشيخ عبدالله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق


الكتاب من تأليف الشيخ سلمان العودة حفظه الله


و هو كتاب يتناول معالجة رئيسية للمشاكل التي تحصل في الحج و هي تقرير قاعدة أن الأصل في فتاوى الحج التيسير و أخذ أخف الأقوال و ذلك لمعادلة المقصد الكلي بالنص الجزئي على حد تعبير الدكتور عبدالله بن بيه في مقدمته


و ساق الدكتور الكثير من الشواهد من حجة النبي صلى الله عليه وسلم و قوله في كل من سأله في أمر أخر فيه نسكا أو قدمه افعل ولا حرج و من هنا إستقى إسم الكتاب


يقول الشيخ سلمان في صفحة 55:و يعلم كل ذي لب أنه لو حج من المسلمين نسبة قليلة ممن لم يحج أصلا، و لتكن واحد بالمئة منهم لكان عدد الواقفين بعرفة إثناعشر مليونا و لما وسعم المكان،و لفات الكثير منهم الحج و أساء بعضهم إلى بعض بالضرورة (...)و معنى ذلك أن شعبا مثل إندونيسيا 200مليون نسمة يحتاجون لألف سنة لأداء فريضة الحج و هذا افتراض نظري بحت


فنظرة الشيخ الواقعية أضفت سحرا على طريقة الطرح و كيفية تقرير نظرته الفقهية للموضوع


و ملخص هذه الرسالة يكمن بالتالي


أولا:جواز الأخذ بالقول المرجوح في الحج لوجود مصلحة.


ثانيا:إن المصلحة دائما موجودة في التخفيف في الحج لحرمة دم المسلم.


ثالثا:مبادرة هيئة كبار العلماء في تقرير عدم إعطاء الفيزا لمن لم يمض خمس سنوات على حجته السابقة أمر محمود في النظر لمصلحة أعظم.


رابعا:إذا حج الإنسان حج الفريضة فعليه أن يتيح المجال لغيره بأن يعطيه المال ليحج فريضته فيكتسب الأجر.


خامسا:قدم الكتاب بعض الإختيارات الفقهية المسهلة مما إختاره بعض الأئمة ، و على سبيل المثال إفتاء شيخ الإسلام ابن تيمية بعدم إشتراط الطهارة في الطواف و سننية المكوث في منى و توسيع وقت رمي الجمار من قبل الزوال إلى الليل و كلامه عن حد مزدلفة في أنه أكبر من أن يزدحم الجميع عند القمة و ذكر مثل ذلك من مسائل تخص الإحرام و محظوراته و متى تجب الكفارة إلى غيرها من المسائل النافعة
.
رابط لتحميل الكتاب

الاثنين، 17 ديسمبر 2007

العرب وجهة نظر يابانية


إسمه نوبوأكي نوتوهارا

من الأسماء التي نقرأها مرة واحدة لكي ننساها مع إنتهائنا من نطق الحرف الأخير من الإسم

و لكنه أحد الأساتذة اليابانيين الذين تخصصوا في دراسة الأدب العربي و أمضوا أربعين عاما من البحث المتواصل في الأدبيات العربية

وجدت كتابه في أحد المكتبات في دبي كان الكتاب عادي غلافه أبيض من دون الكثير من الزركشة ،وكتب هو تعريفا بكتابه في الغلاف الخلفي في الكتاب وهي عبارة عن ثلاثة أسطر و نصف يتكلم فيها بكل تواضع عن خبرته التي دامت أربعين عاما في هذا المجال

هو كتابه الوحيد باللغة العربية و باقي كتبه عبارة عن ترجمة أعمال أدبية من اللغة العربية غلى اللغة اليابانية

كل إستغرابي كان في الفرق بين البهرجة الإعلامية التي نفتعلها نحن و الغربيين في حديثنا عن سيرتنا الذاتية كأن العالم و الكرة الأرضية تنتظر ميلادنا لكي نستلم نحن الأبطال مجريات الأمور

بينما يتكلم الشرقي عن حياته و إنجازاته كنوع من روايات الجدات

فالأصل أنه يعمل و يكد و لا ينتظر من بعد ذلك الكثير من التصفيق لأنه فعل ما كان يجب عليه فعله في تحصيل لقمة الرزق

أرجع مرة أخرى للكتاب فهو خلاصة خبرة هذا الرجل الياباني الستيني

سأقتبس بعض العبارات التي رأيت أنه يمثل بها مرآة ملساء يستطيع العربي أن ينظر لنفسه من خلالها بوضوح لكي يرى نفسه بوصف دقيق قد يحسن نظرته للنقد الذاتي

الكاتب الياباني كون الكثير من الصداقات مع أناس عرب في شتى الأقطار العربية و قام بدراسة حياة البادية في سوريا بشكل دقيق

يقول و هو يصف أحد زياراته لأحد أصدقائه العرب

المدخل كان قذرا و الدرج ايضا و لكن لدهشتي فقد وجدت عالما آخر خلف باب صديقي،كان البيت نظيفا للغاية مرتبا و أنيقا و مريحا لقد فهمت أن كل ما يخص الملكية العامة يعامله الناس كأنه عدو فينتقمون منه و لذلك نجد المقاعد في الأماكن العامة مكسرة أو مخلوعة و نجد معظم مصابيح الشوارع محطمة...لقد فكرت طويلا في ظاهرة تخريب الممتلكات العامة و فهمت أن المواطن العربي يقرن بين الأملاك العامة و السلطة و هو نفسيا في لا وعيه على الأقل ينتقم سلبيا من السلطة القمعية فيدمر بانتقامه وطنه و مجتمعه بدلا من أن يدمر السلطة نفسها تلك مظاهر السلبية التي ذكرتها إختفت تماما من المجتمع الياباني

و في كلامه عن الديموقراطية في العالم العربي ينقل لنا شعوره الخاص..يقول

إنني شبعت من كلمة ديموقراطية و كل من له علاقة بالكتاب العرب يعرف معنى التخمة من كلمة ديموقراطية و هذا الشبع الزائد الزائف يدل بوضوح على غياب الديموقراطية،فثلا تجلس مع كاتب يتحدث عن الديموقراطية بلا تعب ثلاث ساعات ولا يعطي مجالا لأحد من الحاضرين بالكلام عمليا هو يمارس الدكتاتورية أو على الأقل سلطة النجم و مع ذلك يشكو من غياب الديموقراطية أظن أن هذا النوع من الكتاب يشكو من الحاجة لمنصب رفيع في السلطة ، كلمة ديموقراطية أصبحت تميمة يرددها الجميع و يحملها الجميع بمن فيهم رجال السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام العربية و الرسمية

و يقول في وصف الحس العام في التعامل

تغيب الثقة فيحل محلها المنفعة المتبادلة و نحن نسمع دائما تعابير من نوع:عشان خاطرك! و هكذا تحدث أشياء غير قانونية و يتبادل الذين يخالفون القوانين الحماية و المكاسب


إستمتعت كثيرا في قراءة هذا الكتاب و في هذه الرحلة التي لخصها بمئة و أربعين صفحة ووجدت الياباني يعرفني بأسماء أدباء لم أكن أعرفهم إن روح التواضع و الأريحية في الكلام هي من الصفات التي أقدسها في المرء

و قد ذكر أن اليابان لا تخلوا من عيوب و ذكر إسم أحد رؤساء الوزراء الذي قام باختلاس و تمت معاقبته و هكذا

و لكن شهادته في واقع العالم العربي شهادة نحتاج إليها و إلى أمثالها لكي نكون صورة عامة في تدارك الأخطاء التي نعيشها

الجمعة، 14 ديسمبر 2007

الشخصية الليزرية

هذا العنوان هو عنوان كتيب شيق أصدره الدكتور أيوب الأيوب

يتحدث فيه أن هناك نمطين للناس في مسألة التركيز

شخص تركيزه مشتت كمصباح الغرفة يتجه في كل مكان

و شخص تركيزه واضح و مركز في نقطة واحدة كالليزر

و من الواضح أن الشخص الليزري أفضل من نظيره المصباحي إن صح التعبير

لأنه يعرف إلى أين يتجه و يركز قوته على مكان واحد

بخلاف الآخر فهو مشتت و مبعثر و نستفيد منه بشكل عام لا بشكل خاص

و يبدو أن هناك العديد من الأساليب التي يستطيع الشخص من خلالها أن يعرف إلى أي من النمطين ينتمي

و هناك عدة أسألة في الكتيب تحدد حالة الشخص عن طريق الإجابة عنها

منها على سبيل المثال أن الشخص الذي يعمل يدويا بعمل و يركز ذهنيا في شيء آخر مستقبلي هو شخص مصباحي

لا يخفى على القارئ الكريم أن الشخص الذي يركز كل طاقته الذهنية و الجسدية على موضوع واحد و خلال وقت محدد ينتج أكثر من غيره

و سأعمل على ذلك بنفسي

كن ليزريا يكثر إنتاجك

;)

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2007

التكرار و الكثافة الحسية



تكرار المواقف و تكرار الألفاظ و تكرار الأفعال يعد المكون الأساسي لأصل سلوكيات الإنسان
فالتكرار يؤدي إلى التعود و التكرار هو أفضل وسيلة لكي نوصل المعلومة إلى العقل الباطن
على سبيل المثال....تكرار قصيدة سهلة النطق لمئة مرة يجعلنا نحفظ هذه القصيدة عن ظهر قلب
و تكرار ضربة معينة بمضرب البيسبول أو التنس و نحن نستقبل الكرة من زاوية معينة لألف مرة يجعلنا نستجيب بنفس الطريقة إذا أتت الكرة من هذه الزاوية في المستقبل
فالتكرار بمثابة الحفر في الأرض لوضع أساسات المنزل الذي يتم بنائه
و لكن هل يفيد التكرار دائما؟؟
شخصيا كنت أردد بعض العبارات أو القصائد التي كنت أريد أن أحفظها...و أكررها كثيرا
و مع ذلك لا أحفظها و أخطأ كثيرا فيها
السبب الأساسي لذلك هو أن التكرار يحتاج إلى إستحضار للذهن و ربط الأمور المكررة بكثافة حسية
أي أن التلميذ الذي يكرر هذا البيت
إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنن أن الليث يبتسم
فالتكرار أن يعيد قرائة هذا البيت و بصوت مسموع عدة مرات و هذا واضح
أما الإستحضار الذهني فهو أن لا يكون ذهنه مشغولا بامر خارجي فلا يقول هذا البيت و هو يفكر في مبارات كرة القدم التي ستبدأ بعد نصف ساعة فهذا يذهب التركيز على هذا النص و يجعل الشخص كأنه لا يقرأ شيئا بينما صوته يعود و يكرر النص
و أما الكثافة الحسية فهي أن يربط معنى البيت بإحدى حواسه و مشاعره....و الأفضل أن تكون حاسة البصر
بأن يربط معنى البيت بصورة معينة لليث له لون مألوف أو لون غريب
الليث الأبيض مثلا : )

فالربط بين النص و الصورة من أنجع و أفضل الطرق لربط الأفكار...و لذلك تجد الأطفال بشهيتهم المفتوحة للمعرفة و لكن بطرق غير

مباشرة يفضلون الصور دائما على النصوص و الكلام

و في بداية قصة أليس في بلاد العجائب

تنظر أليس إلى الكتاب الذي كانت تقرأه اختها الأكبر منها سنا فتقول كيف تقرأ كتابا ليس فيه صور!!و لسان حالها يقول هذا لعمري شيءعجاب

يقول أحدهم
العلم يحلو كلما كررته ولذك عدت مكررا لحلاوته
لست متأكدا من أن العلم يحلو مع التكرار و لكنني متأكد من أنه يثبت مع التكرار
و لعل العلم الذي يحلو بالتكرار هو العلم الشرعي

أرجع مرة أخرى للكثافة الحسية...و هذا يعد طريقة علاج قائمة بذاتها و لها عيادات متخصصة تستعمل الكثافة الحسية في معالجة من يعانون من مشاكل نفسية أو صعوبات في مواجهة بعض المواضيع....فالكثافة الحسية فن قائم بذاته و علاج مستقل له طرقه و أساليبه

Emotionally Focused Therapy اسمه باللغة الإنجليزية

EFT و يطلق عليه إختصارا
***
عبدالله كان موظفا يعمل في أحد البنوك الخاصة كان موظفا عاديا بكل المقاييس ...و لكن عيبه القاتل أنه يتأخر عن موعد العمل و بشكل يومي و بمدد متفاوته...مشكلة عبدالله أن القيام باكرا مرتبط بذهنه بالتعب الجسدي...و النوم لمدة أطول نسبيا مما يجب عليه أن ينامه يعد في نظره مرادف للراحة الجسدية
فالربط بين فعل و بين الشعور بالإعياء
و الفعل هنا هو الإستيقاظ باكرا....و الشعور الذي ربطه به هو الإعياء
يحتاج هنا أن يركز على ربط الإستيقاظ باكرا بشعور جميل يحبه
بشعور بالنشوة و الفرح و السعادة و يربطها بمعاني إيجابية يؤمن بها
على سبيل المثال يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم
بارك الله لأمتي في بكورها
فيربط الإستيقاظ باكرا بالبركة و يجعل من ذلك منهاجا في حياته في الربط بين الأفعال التي يستقي منها المنافع و بين الشعور الإيجابي
فأغلب مشاعرنا السلبية نحملها إتجاه أفعال نشعر أننا أجبرنا عليها و نفضل أن نقوم بغيرها بدلا عنها و بالتالي نقوم تلقائيا بربط هذه الأفعال بمشاعر سلبية بالإحباط و الخيبة و التعب الجسدي و غيرها
فإذا أراد أن يلغي الشعور السابق لابد أن يضع عوامل خارجية تخالف شعوره السلبي السابق
فيضع الحلوى المفضلة لديه عند سريره و يغطيها لكي يأكلها عندما يستيقظ في باكرا و في الوقت المناسب و يقرأ قصيدة شعرية من الديوان المفضل لديه مثلا و هو يشرب فنجان من القهوة عندما يستيقظ صباحا...أعلم أن هذه الأمور لا تعني شيئا للبعض و لكنها موضوعة للقياس طبعا
فمنال تربط بين التفوق الدراسي و بين العيش عيشة ضنكا و مملة
فبالتالي من المستحيل أن تقبل على الدراسة لأن النتيجة المنطقية في مخيلتها أن مؤدى الدراسة سيكون شعور بالضنك و الملل
***
تابع ملاحظتك معي أخي الكريم و اشحذ حضورك الذهني معي
أليس كل أمنيات الدنيا تنتهي إلى مشاعر؟؟
هذه الجملة تعلمتها من الدكتور صلاح الراشد و الذي تعلمت منه الكثير
فهو يقول إن الشخص الذي تكون أمنية حياته شراء سيارة....فنسأله و إذا إشتريت هذه السيارة ماذا سيحدث؟؟ يقول سأشعر بالراحة
و إذا كانت رغبته بالزواج و سألناه ماذا سيحدث إذا تزوجت يقول سأشعر بالسعادة
فكل الطموحات و الأمنيات و الرغبات تنتهي إلى شعور معين
و المسألة أقرب إلى لعبة توصيل بين الكلمات...و يجب عليك أن تربط الأفعال التي تحقق بها طموحاتك بمشاعر إيجابية
حظا موفقا في لعبة التوصيل الخاصة بحياتكم ^_^

أصل السلوكيات

مريم الصغيرة ذات الأعوام الستة إعتادت على الإتكال على والديها و خادمتها في كل شيء
كل ما تفعله هو التفرج على الحياة....بينما مشط الشعر و الأكل و الدراسة و كل شيء يخطر ببال يقوم به الآخرون عنها
و كان هذا الإعتماد طبيعيا لسنها الصغير...و عندما كبرت لم تتغير معاملة الأبوين...و لم تتغير الخادمة التي كانت تقوم بشؤونها
كبرت و نضجت و صارت ذات أربعة عشر ربيعا
حينما حاولت أن تقوم بخياطة وسادة أسوة بإحدى صديقاتها في المدرسة التي رأتها و هي تحيك وسادة ذات زخارف بارعة
و اشتعلت حاسة الغيرة الأنثوية لديها و هبت لكي تحاول...و في أول محاولة بدأت خطوتها في الخياطة بشكل عشوائي
كأنها كانت تريد أن تنجز كل شيء بلحظة واحدة فهي تحاول أن تدخل الخيط في الإبرة و بالها مشغول بنفس الوقت بقطعة القماش هل هي مستوية؟ هل هي مربعة؟ هل هذا اللون مناسب
ذلك حينما أصابت الإبرة إبهام إصبعها و حدث إثر ذلك جرح بسيط
كالعادة...إستجارت بابويها و خادمتها...و لم يكن في المنزل غير والدتها
الوالدة؟ ماذا مريم؟ ماذا حدث؟؟
أرتها مريم أصبعها ...فما كان من الأم إلا أن هبت بسرعة إلى علبة الإسعافات الأولية و أخرجت مطهر و ضماد و شريط لاصق
الأم و هي تفتح العلبة:أنت مجنونة؟؟ ماذا فعلت ...ألا تعلمين أن هذه الإبرة من الممكن أن تكون ملوثة ماذا فعلت بنفسك يا إلهي
كم مرة يجب أن أخبرك أن لا تعبثي بأشياء من دون علمي...إذا كان لديك وقت فأقضيه بدراستك
لقد تعبت منك...(الأم تلصق الشريط على مكان الجرح)ألا تعلمين أن الخياطة لها دورات خاصة و أنه ليس هناك من احد بدأ بالخياطة من أول يوم
***
الواقع أن هذا السيناريو يتكرر كثيرا و لكن في صور مختلفة
فلقد نهرت مرارا....مرة لأنها زينة غرفتها بأوراق و قصاصات من صنعها و مرة لأنها إستخدمت منظف المرايا لتنظيف ساعة يدها
و مرة لأنها إبتعلت حبة البنادول من غير إستشارة من والدتها
***
و عندما بلغت مريم الثالثة و العشرين كانت نسيج متماسك من تلك التربية المتواكلة
فقد تورطت في ثلاث حوادث سير مع بداية قيادتها للسيارة و اضطرت الأم أن تعفيها من القيادة و صارت تذهب إلى الجامعة مع السائق
و في المادة التي طلب منهم الدكتور البحث و لم تأت مريم بالبحث...فكادت أن تحصل على درجة الرسوب لولا أن والدتها ذهبت إلى الجامعة لكي تتدخل
***
في سن الخامسة و العشرين إختار أبواها زوجا لها
و لم تزل مريم المتزوجة على عادتها القديمة فلم تحرك ساكنا
و افترضت أن زوجها هو الموفر الأساسي الذي ستعتمد عليه
إفترضت أنه سيطهو و يطبخ و يغسل الملابس و يأتي بخادمة تشاركهما هما الإثنان السكن
و افترضت أنه سيفعل كل شيء بينما تمارس هي رياضتها المفضلة ...اليوجا أمام التلفاز طوال اليوم
للأسف تطلقت مريم بعد هذا الزواج غريب الأطوار بعد ستة شهور
***
و في سن السادسة و العشرين تستطيع أن ترى مريم بوضوح و قد إزداد وزنها و هي على الأريكة تبحث عن برامج لم ترها من قبل
تدخل عليها والدتها و هي غضبى و تكاد تميز من الغيظ....إجتزت الإشارة الحمراء ثلاث مرات؟؟؟
مريم بارتباك:لا أدري أمي ..لكنني أقود السيارة بهدوء و اعتدال
الأم:انت وضعت ابيك في ورطة لأن سيارتك باسمه و هو يتحمل وزر مخالفات ثلاث سيارات في المنزل
مريم:و ماذا تريدينني أن أفعل؟؟
الأم:آآآآه لو تعتمدين على نفسك لو تريحين أمك المرهقة من هذا العناء أخبريني لماذا لا تتحملين المسؤولية
هل هذا ما ربيتك عليه؟؟
مريم لم ترد على أمها
و يبدو أنني أنا المدون المتطفل على هذه القصة سأرد على الأم
نعم أنت من غرس فيها عدم المسؤولية
ربما تحب الدببة أبنائها و ربما تقفز عليها و تنام فوقها وقت الخطر لكي تحميها من الخطر القادم و لكن أطفالها يموتون رغم نيتها حمايتهم
***
من القصة السابقة أردت أن أوضح أصل السلوكيات لدى الإنسان فعقل الإنسان مستقبل ذكي و محلل فطن للمواقف
فالمواقف التي يمر بها الإنسان تشير له إلى أن يلتزم بعض الأفعال و يترك بعض الأفعال
و في حالة مريم ظلت تستقبل رسالة مفادها أن المسؤولية أمر لا يعنيك في شيء من قريب و من بعيد
و سيهب أحدهم للنجدة في اللحظة المناسبة دائما
عليك فقط أن تبقي حية...يبدو أن هذه هي الوظيفة الحيوية المطلوبة منها
و كذلك تغرس صفة الكذب كسلوك ملازم للفرد فمن خلال الطلب من الطفل أن يكذب على المتصلين و يخبرهم أن والده أو والدته في الخارج و تكرارهذا الموقف يعد ترسيخا مباشرا على أن الكذب مبرر حال كنا في مزاج سيئة مثلا
***
إذن المكون الأول لأصل سلوكياتنا هو تكرار الموقف و الذي ستنتناوله قريبا بإذن الله

الاثنين، 10 ديسمبر 2007

حب الخلود

تقتله الهموم و تترصد له الدوائر
أفكاره سوداء كالسماء في تلك الليلة التي كان يتسكع فيها بالشوارع لا يلوي على شيء
حياته غريبه
أو بالأحرى فارغة
قلبه الحزين يأن و هو ينبض
في نظراته إستجداء للشفقة من كل شيء يراه أمامه
أضلعه الضعيفة التي كانت تحمي قلبه و أعضائه....صارت مجرد سجن حبس بداخله لكي يموت ألما في هذا الجسد المتعب
في لحظة حزن واحدة أصبح يرى كلام الناس مجرد أساطير و تطلعاته مجرد أوهام
لا شيء يمكن أن أسميه حقيقيا...فنفسي التي أعيش فيها لم أسلم لها بانها من الحقيقة في شيء
خدمة هذا الجسد كثيرا و خدمة هذه الدنيا كثيرا و مع ذلك غدر بي الزمن
فلا جسمي إنتعش و صار على أحسن حال...ولا الدنيا إبتسمت و أغدقت علي من خيراتها
في كل أرض يمشي عليها ينظر إليها بحزن...يقول في نفسه ...في كل ثلاثة خطوات أمشيها على الأرض تصلح أن تشق الأرض و تكون قبرا لي في أي مكان أطأه بقدمي
الملابس التي يلبسها أصبحت مصدر تعاسة له....فهي تذكره بكفنه
إذن كانت هذه الدنيا التي عشتها مجرد لعبة فيها بعض الجد
كل هؤلاء الباعة الذين يبتسمون له في السوق و يدعونه إلى بضاعتهم يريدون ماله
و لديه سبعة من الأبناء ينتظرون وفاته بفارغ الصبر لكي يتقاسموا مبلغ البيت الذي يقطنه
السائق يحترمه خوفا منه لأنه يستطيع أن ينهي خدمته في أي وقت
هذه الحياة مجرد فرصة لكي أقضي على الأضعف مني و يقضي علي الأقوى مني
و الكل يضع الحواجز و يسن القوانين و يحاول جاهدا أن لا يتم القضاء عليه
كان تعيسا جدا....يلمس قطع النقود المعدنية التي في جيبه يبحث عن قطعة اكبر لكي يعطيها لصاحب المقهى ثمنا للشاي الذي شربه بسرعة ...و لم يكن لديه غير هذه النقود المعدنية فذهنه الشارد أنساه أين وضع محفظته
سمعه ضعيف...و الكل يصرخ فيه لكي يستطيع هو سماعهم...و نظره كليل يجتهد لكي يقرأ لافتات المحلات؟
يسأل نفسه ...هل هذه النهاية إذن؟
ترجو البقاء بدار لا بقاء لها فهل سمعت بظل غير منتقل!!؟
ينظر إلى المرآة نظرة إستغراب...كأنه في الأمس كان شابا يافعا وسيما
فما بال كل هذه التجاعيد و ما بال هذا البياض التهم الشعرات السود
لا يزال في نفسه روح الصبيانية...و إن لم تكن موجودة فهو يستدعيها بين الحين و الآخر لعل هذه الذكرى تسلي نفسه
إذا شاب رأس المرأ أو قل ماله فليس له في ودهن نصيب
تخلى عن كبريائه أخيرا فبعد كل سنوات التقاعد صار يتودد إلى الكل يطلب الحديث حتى مع الأطفال الصغار
لا يريد أن يخسر أحدا....يشغل وقته في الكلام عن السنين التي مضت...لا بئس بقليل من المبالغة
فليس هناك من شهود على تلك الوقائع و من الضروري إضافة القليل من الحماسة
أحيانا ينتابه هذا الفزع مما وصل إليه من العمر و أحيانا أخرى يستسلم للحقائق
و يفوض أمره ويرجئ الخوف إلى أجل مسمى
***
تكاد ترى وجهه المتوتر خارج المختبر و هو ينتظر نتيجة التحاليل التي أجراها بعد شعوره الأخير بالإعياء
***
أتعلمون أيها الأعزاء لماذا هو تعيس هكذا؟؟؟
إنه يحب الخلود...و من لا يحب ذلك؟؟
المشكلة في الذين يحبون الخلود في الدنيا أن شعورهم يقضي بأن الدنيا هي كل شيء فمن فاتته الدنيا فات منه كل شيء
و ما أسعد من يرى نفسه خالدا في الاخرة في جنة الرحمن بأنهارها تجري من تحت قدميه
و عمل لذلك...ساعتها لن يضيره الذهاب من هذه الدنيا شيئا
و لن يشعر بكل هذا الهم....فالخلود خلود النعيم
فقد قال تعالى في اليهود أن الواحد منهم
"يود أحدهم لو يعمر ألف سنة"
و لكن جواب الرحمن كان منطقيا على تعميرهم كل هذه السنين
"و ما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر"
حقا إن الخلد يكون من بعد موتة الدنيا و ليس قبله
و صدق قول الشاعر
ثلاثة أيام هي الدهر كله و ما هي إلا الأمس و اليوم و الغد
أنظر إلى حياتك نظرتها التي تستحقها ولا تعطيها أكثر من حقها و مقامها
فاللهم إجعلنا من الخالدين في جنة النعيم

السبت، 8 ديسمبر 2007

نحن و الأحلام2

الحياة مجرد افكار تتسابق إلى ميدان الواقع
فأصل المحدثات الإنسانية جميعا أفكار متراكبة
و كذلك أصل كل الأمور المعقدة التي نراها في الواقع هي أفكار و خواطر بسيطة تمر في ذهن من إبتكرها
فالإسكندر الأكبر المقدوني كانت مربيته تمنيه بأن يكون قائدا و تقول له أنه سيكون القائد المنتصر دائما
و كم شخصا كان يلعب بلعبة تشبه سماعة الطبيب و هو في الثامنة من عمره فتجده يحمل السماعة الحقيقية في عمله و هو في الثامنة و العشرين
و أم الإمام مالك وجهته إلى دراسة الفقه و الإمام مالك نفسه عندما رأى الشافعي رحم الله الجميع قال له إنك سيكون لك شأن فاجتنب المعاصي...فغرز ملامح الشخصية يكون عن طريق ما يحدثنا به عقلنا الباطن الذي يتأثر بدوره
بالأحداث الخارجية التي يمر بها الإنسان منذ طفولته
و قد عقد الشيخ محمد الغزالي فصلا شيقا في كتابه جدد حياتك اسماه
حياتك من صنع أفكارك
و في اللغة الإنجليزية يوجد مثل متداول هو
you are what you think
اي أنت عبارة عما تفكر به
و مما سبق أردت أن أوضح أن سيطرة الإنسان على أفكاره هي سيطرة على واقعه الذي يعيشه و مستقبله المشرف عليه
فإذا سيطر الإنسان على ما يرد عليه من خواطر و أفكار و سخرها تسخيرا إيجابيا كانت كل أفكاره تتجه إلى تحقيق إنجازات متتالية
و ليس أدل على ذلك من أن لعبة الشطرنج عبارة عن شخص عنده حضور ذهني و تركيز و آخر يتخذ بعض الخطوات غير المدروسة
هكذا هي الحياة...التركيز الذهني و الوعي هي صناعة من لهم الغلبة و النصر
إذن حلم الإنسان ليس مجرد صور يراها الإنسان في منامه بل هي مادة اعتصرت من دماغه و امتزجت بلحمه و دمه و صارت الموجه الرئيسي له في حياته ...آنا أتكلم عن خيال الإنسان فأسميه الأحلام و أتكلم عن أفكاره فأسميها الأحلام و أتكلم عن تطلعاته و طموحات فأسميها أحلاما...إن لي معجم إلتهمت فيه الأحلام كثيرا من الكلمات الأخرى فهي عندي ذات مدلول واسع
و كما قال صلى الله عليه في وصف الخوارج أنهم "أحداث أسنان سفهاء أحلام" فأطلق على أحلامهم لقب السفاهة
و هذا يدل على أن للكلمة إستخدامات عدة فلم أتحرج من توسيع معناها
***
فالحلم أن تضع نفسك حيث تحب أن تكون و ترى الصورة بكامل ملامحها و تجعلها جزئا من واقعك فأنت يجب عليك أن تصل إلى تلك الصورة التي في بالك بكل الطرق المباحة المتاحة
و ستجد أنك أصبحت جديا أكثر في تحقيق أهدافك لأنك تنظر إليها نظرة صدق...تصدق ما بها و تسعى إليها تلقائيا
أما عن أساليب تطويع الأفكار التي ترد على أذهاننا فسأترك هذا الموضوع للمستقبل القريب بإذن الله
في هذه المدونة دعوة مفتوحة لكل من إختار لنفسه أن يكون سعيدا و يريد أن يسعى لذلك
سيتم نقاش هذا الموضوع و تحليله و هضمه بالطريقة المناسبة بإذن الله
اجعل احلامك سعيدة و كن سعيدا
فالسعيد من سعد في الدارين في الدنيا و الآخرة
و دمتم سالمين :)

الجمعة، 7 ديسمبر 2007

نحن و الأحلام

بعد أن رفع أبوه صوته عليه...بعد ان رأى وجه والدته المتجهم


ومع خوف هذا الطفل من درجته التي سيحرزها في إمتحان الرياضيات الذي قدمه منذ يومين


لم يكن هناك بد من اللجوء إلى الاوجود إن صح التعبير


ذهب إلى فراشه الصغير


تلك البقعة التي سيقلع منها إلى سماء لا يعلمها إلا الله


أغمض عينيه و راح في سبات عميق
في ذلك العالم الهلامي الذي تجري أحداثه بسرعة جنونية...في عالم الأحلام قابل صديقه الذي لم يره منذ فترة
صديقه أمامه...و طاولة يبدو أن عليها أحد الإمتحانات التي لم يحضر لها ولم يدرس لها
و لكن صديقه يطمأنه...يقول له تعال إلى حديقة المدرسة....سأريك شيئا عجيبا
و لم يخبره الطفل عن أنه يحتاج أن يؤدي الإمتحان....فإنه أول ما نظر إليه شعر بالطمأنينة و لم يعد يرهب شعوذة الأسئلة ولا طلاسم
الكتب الدراسية ..كذلك نسي عن الطفل السمين الذي يضربه لأتفه الأسباب لم يعد هناك شيئ للخوف و انطلق مع صديقه إلى حديقة المدرسة
و في خاطره أن يسأله أن يلعبا كرة القدم سويا بعد أن يريه ذلك الشيئ العجيب الذي حدثه عنه
ذلك حين فتحت والدته الباب و أخذت تنادي إسمه و هي تضع يدها على رأسها من الصداع...قم إلى المدرسة هيا؟؟
عندما فزع هذا الصغير من حلمه الصغير أيضا...تمنى أن لو ظل في حلمه و هو مغمض العينين..تمنى لو أنه لم يلمس شيئا و ظل بلا
خوف ولا رهبة يخطط للعبته القادمة ..في عالم لا يراقبه فيه حشد من الناس يفرحون لبعض أفعاله و يغضبون لبعضها الآخر
عالم الأحلام واقعي جدا...ففي حين أن الإنسان يوجد في الواقع بغير إرادته فإنه يوجد بوسط معمعه الأحداث في أحلامه بغير إرادته أيضا
و لكن الأحلام أعذب لحنا من الواقع
و قد قيل إن الشخص الذي لا يحلم كالجسد الذي لا يتعرق كلاهما يتضرر
فلابد للنفس من تنفيس بطريقة أو بأخرى
إذا نظرنا للأحلام نظرة فاحصة فإن معنى الأحلام الشرعي ليس بجيد فالحلم من النفس و من الشيطان
أما الرؤيا الصالحة فهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة
و لكن الذي أقصده أنا هنا هو كل خاطر ووارد و خيال يمر في ذهن الإنسان سواء في خيال أو في غيره
فإن ما يتخيله الإنسان و ما يجول بأفكاره هو الفيصل في طريقة معيشة هذا الإنسان
يتبع إن شاء الله

تأملات المجهول


من الغريب أنني عندما أريد أن أنظر لنفسي و أعرف عن نفسي فإنني أُعَرِفُهَا من خلال أمور خارجية

من خلال أشخاص آخرين من خلال مواقف رأيتها و من خلال أمثلة سمعتها

و الحقيقة أن نزعة الإستقلالية تغزو فكري بين الحين و الحين و لكن الحقيقة أن الطبع يغلب التطبع

فآنا أرى جزئا من ذاتي في أغلب الذين أقابلهم ولو لمرة واحدة

أنظر إلى وجهه فأقول أجل هذه الإبتسامة التي أرتضيها لنفسي و أنظر إلى مشيته فأقول هكذا يجب أن يمشي الواثق من نفسه

و أسمع نبرة حديثه فأقول نعم لابد أن طريقة الكلام هذه ساحرة

أحيانا أرى نفسي في صحفي يكتب في عموده يصنع الملامح و يضع لنفسه على إستحياء معالم البطل الذي يبرز القضية

و أحيانا أكون رياضيا و سياسيا و أديبا...و ربما أكون خليط من الكثير من الشخصيات التي أستحسنها و أألفها

ومع هذه الربكة في تعريف الذات أعلل ذلك أنني احيانا اشعر بالوحدة فأذهب لأقحم جسدي في اي تجمع لعلي أشعر بدفء الجماعة و روح الحياة..كثيرا ما أجد نفسي بين أناس لا أعرفهم جيدا أرى أعينهم في أحلام اليقظة كلماتهم لا تعبر سوى عن بعض الضوضاء التي لابد لهم

أن يحدثوها لكي يقتلوا شبح الصمت

ساعتها أقول لنفسي


إني لأفتح عيني حين أفتحها على الجميع و لكن لا أرى أحدا


غريب و موحش هذا الشعور أن تستيقظ من النوم لتعلم أنه لا يوجد من يحسبك نائما ولا ينتظر أحدا إستيقاظك


و كثيرا ما أجد أناسا أكثر ودية ترى قبس النور في عيونهم و معنى الحياة في ألفاظهم و مشاعرهم تعانق أرواحهم و ليس هناك أجمل من أرواحهم ..و لكن حتى مع هؤلاء يظل هذا الشعور ينتابني

نعم أرى نفسي غجريا لا يؤمن بالمسكن و الموطن و بدويا يبحث عن بيت شعر يؤوي به..أرى نفسي عداء الجري السريع الذي يبذل كل ما آتاه الله من قوة لكي يسبق من معه فلا يضطر أن يرى أحدا عن يمينه أو شماله...

أعترف هنا لنفسي...و آنا الكاتب المجهول لقراء مجهولين...أن الغربة مكون أساسي في شخصيتي

و لكنني أرى ذلك من منظار إيجابي...فالإبتعاد عن الشيء يجعلك تراه بصورة أفضل و لم يتمكن الإنسان من رؤية مدى جمال العام و محيطاته إلا بعدما فارقه بآلاف الأميال خارج الغلاف الجوي...فربما أرى الأشياء أجمل و آنا بعيد عنها

كم هو جميل القمر و هو بعيد و لإن هبطنا عليه لرأينا عواصفه و زوابعه و رماله ذات اللون الباهت

الحمد لله أنني غريب عن كل شيء في عالم يعرف بعضه بعضا جيدا