الخميس، 27 مارس 2008

مدرسة الفقراء

من الصعب تجريد الحياة عن مضمونها المادي
من الصعب أن ينتزع الإنسان نفسه من ثوب حواسه الخمسه و متعها و لذاتها و شهواتها
و العامل المشترك و المميز للذات الحسية أنها تشغل عن اللذات الروحية و النفسية التي يشعر بها الإنسان
تؤدي إلى الإنغماس التام و ضعف الإحساس إتجاه كل ما ليس له كتلة و يشغل حيزا من الفراغ
المادة أصبحت سيدة الموقف...و تحسم قرارات الإنسان إتجاه أوضاعه المصيرية
...
إذا كنت تريد أن ترى الكرة الحمراء ذات اللون المتلألأ و تفاصيلها فإنه يكفيك لذلك أن تبعد وجهك عن الإلتصاق بهذه الكرة
فلكي ننظر إلى واقع حياتنا يجب أولا أن نتعلم أن نحرم انفسنا من بعض هذه اللذات و تقييم موقفنا المنغمس فيها
و ربما يكون الفقراء هم أهل الصنعة في تقييم المادة...فالفقير الحكيم غير المتذمر يعطيك صورة واضحة عن نسق الحياة و كيفيتها
***
لقد كان الفقراء دائما يعيشون في الهامش في المجتمعات
لا تذكرهم كتب التاريخ و لا تجد لهم صورا خلدها بعض الفنانيين
كتب فيكتور هيوغو قصته البؤساء فأغرقها بتفاصيل عالم الأثرياء
و كانت نظرة المجتمع إلى الإنسان الفقير أنه يستطيع أن يعيش بطريقة ما...سوف يجد ما يأكل...لن يموت من الجوع
و قد قيل قديما إن الأحدب يعرف كيف ينام!! و هذا ما يجعلنا مبتعدين عن الطبقة الإجتماعية الأكثر حاجة و عوزا
***
الفقر صفته أنه منسي...و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر المنسي...فهو ينسي كل شيء
و الفقر يجعل الإنسان الكادح يجعل كل طاقته في سبيل تحصيل لقمة العيش و شغف الحياة
و قد قال الشاعر:
يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه ابوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب ويرى العداوة لايرى اسبابها
حتى الكلاب اذا رأت ذا ثروة خضعت لديه وحركة اذنابها
وإذا رأت يوما فقيرا عابرا نبحت عليه وكشرت انيابها
***
و لكن الذي لا نراه في الفقير هو ان نظرته للحياة صارت مجردة..و الفقير اكثر قابلية للتسامح و التدين و تقبل القيم الأخلاقية
و الفقير سلم الأغنياء إلى دار النعيم....الفقراء كثر...و هم جزء من إمتحان عظيم في الأموال التي بين أيدينا
الفقراء أكبر برهان على أننا مغبونين في هذه الدنيا إذ يدخل المؤمن الفقير الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة سنة
و الفقير أقل مقدرة على إقتراف المعاصي من الأغنياء نظرا لأن كثير من المعاصي سببها المال و الترف
و من ناحية التقدير الشخصي فالفقير اكثر تقديرا للمال و أكثر حكمة في علاقاته الإجتماعية و أقل تهورا في الإندفاع نحو الجديد
نظرة واحدة تكفي لحسم الموضوع
نظرة لوجه النبي الأمي الذي اختاره الله لختم رسالاته للبشر
نظرة لوجه النبي صلى الله عليه وسلم تكفي عن كل شيء
وهو يقول
أيها الناس والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم
***
لا أزال أشعر أن مدرسة الفقراء عميقة الأثر على الإنسانية ككل
و من إيحاء هذه المدرسة وجدت مقالا للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه النظرات بعنوان الغني و الفقير
يحكي في صدر مقالته أنه مر على رجلين...أولهما كان فقيرا و كان يضع يده على بطنه من شدة الجوع..و الآخر غني ورآه و ياللعجب يشتكي من بطنه و يضع يده على بطنه من التخمة....
يقول المنفلوطي:ياللعجب! لو أعطى ذلك الغني ذلك الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحدٌ منهما سقما ولا وجعا
و يقول: ما أظلم الأقوياء من بني الإنسان و ما أقسى قلوبهم ينام أحدهم ملأ جفنية على فراشه الوثير ولا يقلقه في مضجعه انه يسمع انين جاره
و يقول: أحسب لولا أن حاجة الأقوياء إلى الضعفاء يستخدمونهم (...)لامتصوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم و لحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش
و يقول:لا أستطيع أن أتصور الإنسان إنسانا حتى أراه محسنا
***
فكما أن حالة الفقر علمت هذا الكاتب وهو من كبار الموظفين و من الميسورين ماديا في زمنه علمته مدرسة الفقر كيف يستشف قلوب الناس و علمته الرقة و الصبر و الأناة و الفضيلة فإن في مدرسة الفقر مناهج كثيرة و متنوعة و مفيدة لمن ينظر في حالها
فإذا رأيت أحد الفقراء من الذين أنعم الله عليهم بنعمت الصبر و المصابرة فتعلم منه فإنه يعلم الكثير
***
و أختم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
"اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين"

الأحد، 9 مارس 2008

بيتزا الحياة

لم يكن عبدالعزيز من الذين يستسيغون طعم الزيتون

و لم يكن يحب حتى أن ينظر إليه

و في حفلة تخرجه كان الفرح يبدو على وجهه....الهدايا و كلمات الإطراء

الوجوه الباسمة و المتبسمة

و عندما حان وقت العشاء أكل سريعا و هم بالخروج مع أصحابه

كانت المفاجأة أن البيتزا التي تناولها في العشاء مليئة بالزيتون و بالبصل كذلك الذين لم يكن يحبهما بيوم من الأيام

الحياة...ربما لا نستسيغ بعض تفاصيلها...و لكن مثلما تتكون البيتزا من مواد غير مرغوب بها بالنسبة لعبدالعزيز فإن البيتزا تحتوي أيضا على طعم الجبن و اللحم المفروم و خبز البيتزا و صلصة الطماطم
...و نحن كذلك يجب أن نبتلع بيتزا حياتنا من دون أن نركز على الزيتون في حياتنا اليومية

فإننا إن مضغنا بيتزا الحياة فسنجد من المتعة و اللذة و الشبع ما لا نجده و نحن نحدد مواضع الزيتون في كل قطعة بيتزا حياتية
الحياة تحتاج إلى مرونة...الحياة تحتاج إلى آكل بيتزا متمرس! يلتهم احداثها جميعا! و يشعر بطعم الحياة بشكل موحد

الثلاثاء، 4 مارس 2008

صحفي عادي جدا

سراب القيم يجعلني أتقيء مفاهيم الحاضرو صوت الضمير غدا أسير الأحبال الصوتية لا يتعداها إلى ما سواها
والجديد في هذا كله أنني أصبحت إنسانا ناضجا تعلمت أن كل شيء نسبة و تناسب
و صرت أرضى بالأمر الواقع
والأمر الواقع هو أن تمكن هؤلاء الأقوياء أن يصنعوا لك واقعا يتلائم
مع النهم الإقتصادي لهؤلاء السادة الممتلئين
وبعد أن كنت مقداما شجاعا
أصبحت أنظر في مكتبي الفخم لكي أصنع نظريات تجعلهم جبناء و هم قد ماتوا في ساحة المعركة
و تجعلني حكيما إذ لم أكن معهم في ساحة المعركة
أوراق...أصنع بها الحقائق التي يريد أن يسمعها الناس
أوراق أبرئ فيها نفسي عن كل ذنب
كلمات أمجد فيها السادة الذين يغدقون علي من كل ما أفاء الله عليهم من نعم
أخيط على وجل أثوابهم الممزقة و أصلح أقبية أخلاقهم
مهنتي الجميلة بعيدة عن الروتين
و لكنني لم أعلم قط أنني من خلال هذه المهنة سأستطيع أن أزور حواس الإنسان و إدراكه
لكي تكون صحفيا ناجحا فأورد شيئا يحتوي على الإثارة
و الإثارة تعني الخروج عن المألوف و إيراد الغرائب
أو طرح قضايا تتعلق بالجنس فهي دائما رائجة
***
عندما كنت صغيرا ووجدت صورتي على إحدى الصحف اليومية
سألت نفسي سؤالا محيرا
لماذا أبدو اجمل بصورتي التي في الجريدة؟
و الذي علمته بوقت متأخر أن العدسة الصحفية تجمل من ترضى عليه لأبعد الحدود
ستجد قوما لا تحبهم الصحافة و تشوه صورتهم
و قوما آخرون يمجدونهم
و انتقل شطر العمل الصحفي من نقل الحقائق للناس
إلى إفتعال الأحداث و الإخراج الفني لمسلسل التمجيد لهؤلاء و البراءة من هؤلاء
و يبدو أن الشخص المحايد هو الذي يتعامل مع الصحف و المجلات من منطلق الإسرائيليات في الرواية
لا نصدقهم ولا نكذبهم
حتى يظهر لنا من الله بينة
فهل أنت محايد؟

الأربعاء، 27 فبراير 2008


كان رجلا مسحوقا

قليل المال

ضعيف البنية

كثير الشكوى

عديم النفع!

لم يكن صيادا ماهرا

و لكنه لم يتوقف عن الصيد قط

لقد كان يثبت وجوده من خلال فن المحاكاة فقط!

كان يمثل أنه يعمل و يصطاد بضع سمكات كما يفعل أي هاوي للصيد و يرجع بها إلى البيت

وصل إلى مرحلة من المراحل

قريبة من اليأس و لكنها ليست كذلك

يكاد يقنط و يتمرد على واقعه و يسخط على ماضيه و حاضره و يأد مستقبله

في أحد الأيام كانت السماء صافية...و الريح هادئة

كان صمتا ينذر بألف إنذار

إنه صمت الوحش لكي يبتلع ريقه أو فريسته! أو هو الصمت قبل الخطبة البليغة و صمت القاضي قبل نطقه بحكم الإدانة

انتظر هنيهة و بدأ يسمع صوتا أقرب إلى الهمس

قريبا من أذنه

صوت أقرب إلى جرس مكتوم بين جدران تحبس رنينه

ركز أكثر في الصوت و حاول البحث عن مصدره

بدأ الصوت يتضح شيئا فشيئا

أخذ يحدق بقربه و يتلفت ببلادة

عله يجد شيئا يدله على مصدر هذا الصوت

بدأ يتبين الأحرف

كانت تقول له

أنت أيها الصياد المغفل!! ألا تراني

فلما نظر إلى شماله فكأنه يراها تنظر إليه

كانت جنية من الجن الذين يشاغبون أهل الحرف ممن يعملون لوحدهم

فيفتعلون معهم قصة تتوارثها الأجيال و يتولى كل جيل إصدار الطبعة الجديدة المنقحة من هذه الأسطورة



نعود إلى الجنية

...

الجنية:أنت أنت أيها المغفل...ألا ترى أنك تصطاد في منطقة مهجورة؟؟

الصياد: هه؟؟ ماذا؟؟

الجنية:أنت تفعل ذات الخطأ كل يوم أفففففف لك، ضجرت و أنا أراقبك

الصياد:أنا لا أراك؟؟ اين انت بالضبط؟

الجنية:يا إلهي هذه أكبر إهانة تلقيتها في حياتي و تكلمني بصيغة المذكر أيضا!!

الصياد:انت فتاة؟ اين انت لا اراك..؟

الجنية:لن تراني...أنا مجبرة كل يوم أن أنظر إليك و أنت تصطاد فأنا من حراس قلعة ملكنا فهو يعمر الوادي المجاور و أنا أتولى حراسة هذه الزاوية منذ ثلاث سنين...كنت في البداية أراقبك و لكنني توقفت عن ذلك..يا إلهي أنت ممل

الصياد:إذن أنت جنية؟؟ جنية؟؟ يا إلهي...هل آذية أحد أولادك و أنا أصطاد؟؟ هل ستأذينني؟؟

الجنية مقاطعة له: لن أأذيك...و لكنني كنت أريد أن أسدي إليك نصيحة لعلك تذكرنا معشر الجن بخير و لعلي أنظر إليك فلا أمل و أنا في حراستي لقصر جلالة ملكنا المعظم

الصياد:آآمممم

الجنية:لماذا أنت صامت؟؟

الصياد: لا أدري ماذا أقول..

الجنية:قلت لك أريد نصيحتك

الصياد:ت ت تفضلي أنا أسمعك

الجنية:هلا تحركت جهة الشرق قليلا فإن السمك يعدو في تلك الجهة أكثر من الجهة التي تقصدها كل يوم

الصياد:لا لن يأتي...لقد جربت ذلك كثيرا...أنا أضمن أن السمك ياتيني في هذه الجهة كل يوم

الجنية:ويل لك ألا ترى أن غيرك من الصيادين يصطادون أضعاف ما تصطاد و يبيعونه و أنت لا تصطاد ما يصلح لعشائك؟؟

الصياد:قلت لك أنني أعرف ماذا أفعل..ثم إن صنارتي لم تعد تصلح للصيد و الجو اليوم لا يساعد على توافد السمك

الجنية:هلا كنت متفائلا قليلا و جربت خلاف ما إعتدت عليه لعلك تظفر بأكثر مما اعتدت عليه

الصياد:و انت هلا جربت أن تغيري مكان حراستك...اخبرتني انك تحرسين نفس المكان منذ ثلاث سنين

الجنية:الأمر مختلف جدا!!! لا ينبغي لجنية مثلي أن تحدث إنسيا مثلك كثيرا...

الصياد:هل أنت غاضبة؟؟ أرجوك لا تفعلي لي شيئا أنا رجل فقير و مسالم

الجنية:لقد ندمت إذ قررت الكلام معك يبدو أن كل شيء فيك ينصحك بالتغير و لم تنتصح بنصح الناس ولا بنصح عقلك و أصغيت لكسلك

أنا ذاهبة الآن وداعا

***

أخي القارئ

الصياد يمارس عمله في ساعات محددة كل يوم و إذا إفترضنا أنه يقوم بذلك لمدة سبع ساعات فإنه سيقضي الساعات السبع في عمله لا محالة...فما هي الخسارة في أن يطور نفسه و هو يقضي كل يوم هذه الساعات في العمل مع العلم أن غيره من الصيادين يقضي ذات الساعات و يتفوق عليه

و الصياد لا يحب أن يغير ما إعتاد عليه و يظل يصطاد من نفس المكان

و الصياد لا يلوم نفسه أبدا فلديه الصنارة و الجو و الطعم و الموسم فهو يلوم الظروف دائما و يجد في ذلك راحة نفسية و دفاعا مستساغا عن نفسه

و هو غير متفائل بالمرة و صيغة التشاؤم هي التي تطبع شخصيته على ممارسة ذات الأفعال لكي يتحقق ما يشغل باله من أفكار سلبية
و هو غير قنوع فالقنوع من يقنع بما كتب له مع جهده ولو كان قليلا أما هو فلا يرضى عما قسم له ولا يبذل السبب لزيادة ذلك

و هو كذلك لا يسمع النصح ممن حوله حتى و إن جائه النصح من جنية تعرف مكان صيده منذ ثلاث سنوات
و هو كذلك يعطي الجنية سلطات و يخوف نفسه منها من دون أن يكون لهذه الجنية فكرة عن هذه الرهبة فهو يخاف من أشياء لا تدري أنها مخيفة...و قد يخاف من محافظ المدينة و من حاكم القرية و من غيرهم من الناس من دون أن تكون لهم هذه الرهبة

أيها القارئ الكريم

أنظر إلى وجه الشبه بينك و بين هذا الصياد

ثم استأصل ما تشابه بينك و بينه

فرب جنية أسدت لنا النصائح و لم ننتصح بنصحها

و هذه الجنية قد تنطق بنصيحتها في جريدة أو من فم أحد أقربائك

الحياة مرونة و تجربة

فلا تهدم متعة الحياة بقسوة الكبرياء و حب المألوف




الثلاثاء، 5 فبراير 2008

الجميل ما تراه جميلا



كنت أتلذذ و أنا أنظر إلى العصافير و هي تبحث في كل مكان عن رزقها قبل أن تغرب الشمس


أحيانا أراها تحتمي من لهيب الشمس عند نافذتي


و كنت أتلذذ عندما أسمع زقزقة العصافير ...كنت أتلذذ عندما أكون معهم و أتلذذ عندما أرى على نافذتي جمهورا

يتطفل على خصوصياتي و مع ذلك لا يأبه بي

الطبيعة الخضراء لا تحتاج إلى مهندس ديكور فهي دائما متناسقة و جميلة

شخصيا لا أجد ما يوازي لذة التعايش مع هذه الطبيعة


كنت أستمتع بالجلوس هنا...و الوقوف هناك


في الواقع


إن ما يجعل أي شيء ممتعا ....هو


أننا نراه ممتعا


و إذا بدأنا بالنظر إلى كل شيء على إنه أمر محبب للنفس فهو كذلك


العملية ليست بهذه البساطة...ربما...و لكن الأمر كذلك


فلم تكن الشجرة المحرمة في الجنة بأفضل من باقي الأشجار


و لكن الشيطان يحاول أن يحبب الأمر لآدم و حواء


فجعل لهذه الشجرة شأنا.....و أصبحت كذلك...بعدما كانت محرمة و بعيدة عن ناظريهما أصبحت الشغل الشاغل لهما


إلى أن خرج ابوانا من الجنة


و لا يقوم الشيطان بشيء مختلف حتى بعد كل هذه السنين


فلا يزال يكلمنا عن هذه الشجرة ويقول لنا نفس الكلمات


لا زال يقول لنا إنها شجرة الخلد و ملك لايفنى


هي شجرة الخلد لأن الإنسان عندما يعصي يعتقد في نفسه الخلود فلا يفكر في الموت


و ملك لا يفنى هو حب الإنسان للتملك و الإحراز حبا لا يوازيه حب


و إن كان الشيطان لا يخاطبنا عن هذه الشجرة إلا أنه لا يزال يخاطبنا عن ثمارها


فمن بين كل الأشياء التي نستطيع النظر إليها يشجعنا على النظرة المحرمة


و من بين كل المشروبات المباحة يشجع على الخمر


و كل ما يقوم به الشيطان أنه يحسن نظرتنا إتجاه الأشياء المحرمة و يزينها بأمور ليست فيها


و يبدو أن ذلك يعمل و على مستوى البشرية فلا يزال الإنسان يقطف من هذه الشجرة


و عليه أن يفعل كما فعل أبوه أن يتوب و يستر على نفسه ويغطي سوأته


جمل الأمور المفيدة و المباحة و المستحبة شرعا في نفسك...و حببها إلى ذاتك و اجعل متعتك في طاعة الملك جل و علا


فإنك إن فعلت ذلك لم تشقى و لم تخزى


صحح تفكيرك و غير نظرتك للأمور


فإنك إن فعلت ذلك كنت من الفائزين

الجمعة، 18 يناير 2008

مفاهيم العصر

تجري الأمور بالسياسة و السياسة تسير بالقوة
والقوة تعني الحجم الإقتصادي الذي تملكه
و الذين يملكون هذه الكتلة الإقتصادية يملكون القوة
و من يملك القوة يصنع القانون ليحمي هذه القوة من دهماء الناس و عامتهم
و بما أن البشر كائنات إستهلاكية بعادتها فإن الإنسان ما إن يفرغ من إستهلاكه للنبات و الحيوانات و البيئة حتى يغير على أخيه الإنسان لكي يفتعل نوع من الإستهلاك البشري
وهنا وظيفة أخرى للقانون لتنظيم هذا الإستهلاك بما يسمى قانون العمل
الحقيقة المرة أن الإنسان يتعامى عن هذه الدورة الطبيعية
و يصدق العناوين الإعلامية و السيناريوات الأدبية التي يطرحها اصحاب النفوذ
فالحروب إعلاميا هدفها نشر الديموقراطية و القضاء على الشر و رد الكرامة
و الحقيقة أنها مجرد وسيلة لخلق موسم تجاري في غير وقته يستفيد منه التجار بمختلف بضائعهم
ووسيلة لإمتصاص موارد الطاقة و المواد الأولية للتصنيع بثمن بخس
بدأت أنظر من حولي أتلمس المفاهيم في شكلها الإعلامي المطروح في الإذاعة و التلفزيون
و بين ما تعلمته في الصغر إتجاه هذه المثاليات فوجدت بينهما بونا شاسعا
فوجدت المفاهيم حرفت و طمست معانيها بصورة غريبة و صارت كالتالي

الحق هو ما وضعت يدك عليه و نفيت ملك الغير له و كان هذا الغير أضعف منك بحيث لا يستطيع إثباته لنفسه
الحقيقة هو تظافر وسائل الإعلام على نشر معلومة معينة و بوقت متقارب و متزامن
الجرأة هي الخروج عن الإطار الأخلاقي للجماعة و بشكل فجائي
حسن القيادة أن تترك بينك و بين من تقودهم مسافة تأمن معها شرهم و مع ذلك توجههم
الحرية هي كسر حواجز لم تصل إليها لتصل إلى أماكن لا تدري عنها
الحوار هو أن يظهر كل طرف سوآة الآخر
تصحيح المفاهيم هو أن تقبل من المخالف أن يلقنك ما يعتقده على سبيل التسليم
الحب عاطفة تجعل الشرير لا يبدو بذاك السوء الذي يظهر به
الجمال هو لفت النظر
الوطنية مصطلح عسكري لتخفيف غلواء التجنيد الإجباري في الدول التي تقره
الإرهاب هو المساس بالمصالح الإقتصادية للدول المتقدمة صناعيا
***
الواقع أصبح غريبا جدا
فبدلا من أن يتكبد القاتل و مغتصب الأرض مغبة فعله و يواجه أصحاب الحق
صار يكفيه أن يسمي ما فعله ثأرا و تحريرا
في زمن يسمى فيه الدجل سياسة و النفاق دبلوماسية
يحتاج الشخص إلى الغوص في كل معنى يطرق سمعه
فالإعلام أيها الأحبة هو الفاسق الذي كلما جائنا بنبأ
و مفهوم فعلينا أن نتبين
فإن الثقافة الإعلامية صارت غالبة على ما دونها هذه الأيام
كن حكيما...كن متثبتا ولا تسلم لكل ما يقال
مهما كان متضمنا لإثارة و تشويق
أنت الذي حملت أمانة السماوات و الأرض
***
عقلنا أيها الأحبة أغلى من أن نسلمه لأحدهم لكي يحشوه لنا

الثلاثاء، 1 يناير 2008

هكذا نصدقهم



منذ صغره و هو يمارس سياسة والديه..ينفذها حرفيا...كأنه درسها و حفظها عن ظهر قلب يطبقها بإحتراف...و بمهنية عالية هذه السياسة هي سياسة الرفض.. إذا لما يعجبه شيء في الواقع يرفضه و يفترض أنه غير موجود



عندما بتر إصبع قدمه الصغير و هو في السابعة رفض هذه الحادثة...



فلم يكن ينظر إلى قدمه إلا قليلا و لطالما إفترض أن إصبعه موجود و متآخي مع باقي أصابعه



و عندما يعيره أحدهم بهذا التشوه البسيط في قدمه كانت تنتابه موجة غضب عارم، كان يرفض أن يذكره أحدهم بشيء مرتبط بواقع يرفضه.. إنه يفترض أن الأمور على صورة معينة ولا أحد يجرأ أن يغير نظرته إتجاه هذا الواقع



***



إبتلع قرص أو قرصين من المهدئات...و نظر لنفسه نظرة متأملة فاحصة في المرآة



...



لا لم يكبر كثيرا ملامحه لا زالت طفولية حتى مع شاربه الذي فرض نفسه بقوة كمأثر جديد على ملامح وجهه الذي



يعتبره هو طفوليا



كان في السابعة عشر عندما بدأ يغني وسط بعض زملائه في الدراسة في مقهى شعبي


بالكاد حفظ كلمات الأغنية و بالكاد أداها بصوت متوتر عندما إنتهى من الغناء رآى الجميع علامات الجدية عليه العرق يتصبب منه و نفسه المضطرب فبدأ الكل بالتصفيق مع الكثير من العبارات الخمرية في المديح التي ما إن سمعها حتى سكر في نشوتها و عندما رجع إلى البيت أخذت لبه تلك اللحظات...لقد قال لنفسه أنه أصبح الصوت الشجي الذي يرتقبه كل ذي قلب و كل عاشق عند المذياع و للأسف كان الوقت متأخرا لإقناعه بالتنازل عن مشروعه..

في أحد التجمعات العائلية طلب من خاله أن يهدأ الأصوات الثرثارة لكي يسمعهم صوته العندليبي..و ما إن سمع خاله منه ذلك حتى صفق بصوت عالٍ و قال لهم أن ابن اخته العزيز سيصدح مغنيا



كانت لحظة مميزة عائليا...أخيرا سيحصل شيء جديد يكسر هذه الرتابة في الثرثرة الانهائية...بدأ مغنينا الشاب بالغناء....و انتابته الربكة مرة أخرى و مر بحالة التعرق و النظرة العميقة اثناء الغناء وعندما إنتهى صفق الجميع بحرارة




*كان ذلك مبهرا*



مرة اخرى نظر لوجهه الحزين في المرآة...و قال لنفسه الآن ستتغير ملامحك...ستكون لك الإبتسامة الباردة إياها



التي تراها على وجوه النجوم في الإعلام وعندما يسلم على طفل...او جار او صديق يبتسم إبتسامة تنم عن تواضع و عندما يسأل إلى أين أنت ذاهب سيقول لدي بعض العمل و اعتاد إستعمال العبارات المبهمة لكي يدلل على كثرة مشاغله...لقد تقمص شخصية النجم



و في إحدى ليالي المهرجانات الصاخبة...في إحدى المنتزهات السياحية وجد مقدم البرامج أنه من المسلي أن يسأل الجمهورهل لدى اي احد منكم إضافة؟؟ قام على الفور المغنى الشاب و هو ممتلأ..و سأل المقدم إن كان بإمكانه الغناء

وبالفعل تحمس المذيع للفكرة فما كان منه إلا أن بدأ بالغناء واستمر يغني ولا يأبه لنظرات المذيع التي ترجوه ان يتوقف لان وقت البرنامج السياحي أزف و هو لم يكن يتوقع أكثر من دقيقتين من الغناء المتحمس و لكن صاحبنا إسترسل بالغناء..إلى أن إضطر احدهم إلى فصل كيبل الكهرباء لأجهزة الصوت لكي يتنبه المغني المغمورو بعدها إلتفت وراءه لكي يرى المخرج يشير إليه بعلامة التوقف...و المذيع يسترجع منه المايكرفون و يشكره على مشاركته القيمة و عندما نزل من على خشبة المسرح سمع احد الجمهور يصرخ به..يا أخي صوتك نشاااز!! هكذاسمع منه هذه العبارة كالسم...لدرجة أنه شعر برغبة في قتله و لكنه لم يرد عليه و رجع البيت...و هو يفكر في كون بعض من يسمع صوته يغار منه

في الحقيقة لم يكن صوته جميلا...بل كان صوت مبحوح يختلط في كثير من أحرفه...غنائه كان اقرب إلى الصراخ منه إلى الألحان الجميله...

للأسف نحن نستقبل هذا المغني دائما في حفلاتنا فنحن نسمح للشخص لمجرد أن له جرأة في الأداء أن يسمعنا ما يريد و نسمع نحن ما يقول و يمنعنا الحياء أن نتكلم ..احيانا نتحمس لأفكارهم و أدائهم مجاملة منا ولكن ذلك على حساب أوقاتنا و أفكارنا

أخي القارئ إحذر من هذا المغني و اطرده فورا من حياتك ولا تجعل المجاملة على حساب أفكارك ووجهات نظرك ووقتك هذا المغني قد يكون نائبا في البرلمان و قد يكون تاجرا بارعا و قد يكون موظفا جديدا يملأه الحماس لأفكاره

إذا رأيته يصدع بصوته بقوة على حساب أصوات الجلوس فاعلم أنه يجب أن يستحمل أن يكون الرد عليه بصوت يسمعه الجلوس أيضا و بنفس القوة ليس عيبا أن نناقش ذوي الأصوات العالية و أن نخبرهم احيانا ان اصواتهم لا تعجبنا

في البداية نجامل و نصمت حتى تتشرب قلوبنا أصواتهم و نسلم بوجهات نظرهم من دون تفكير أو إعمال للعقل

هكذا خلقنا الله أحرارا

نسمع بآذاننا و نقذف الرد من حناجرنا

فإن إستسلمنا لكل ناطق

سنرى إبليس أو نكاد نراه

و هو يشير إلى الشجرة المحرمة

و هو يقول

هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي؟؟