
منذ صغره و هو يمارس سياسة والديه..ينفذها حرفيا...كأنه درسها و حفظها عن ظهر قلب يطبقها بإحتراف...و بمهنية عالية هذه السياسة هي سياسة الرفض.. إذا لما يعجبه شيء في الواقع يرفضه و يفترض أنه غير موجود
عندما بتر إصبع قدمه الصغير و هو في السابعة رفض هذه الحادثة...
فلم يكن ينظر إلى قدمه إلا قليلا و لطالما إفترض أن إصبعه موجود و متآخي مع باقي أصابعه
و عندما يعيره أحدهم بهذا التشوه البسيط في قدمه كانت تنتابه موجة غضب عارم، كان يرفض أن يذكره أحدهم بشيء مرتبط بواقع يرفضه.. إنه يفترض أن الأمور على صورة معينة ولا أحد يجرأ أن يغير نظرته إتجاه هذا الواقع
***
إبتلع قرص أو قرصين من المهدئات...و نظر لنفسه نظرة متأملة فاحصة في المرآة
...
لا لم يكبر كثيرا ملامحه لا زالت طفولية حتى مع شاربه الذي فرض نفسه بقوة كمأثر جديد على ملامح وجهه الذي
يعتبره هو طفوليا
كان في السابعة عشر عندما بدأ يغني وسط بعض زملائه في الدراسة في مقهى شعبي
بالكاد حفظ كلمات الأغنية و بالكاد أداها بصوت متوتر عندما إنتهى من الغناء رآى الجميع علامات الجدية عليه العرق يتصبب منه و نفسه المضطرب فبدأ الكل بالتصفيق مع الكثير من العبارات الخمرية في المديح التي ما إن سمعها حتى سكر في نشوتها و عندما رجع إلى البيت أخذت لبه تلك اللحظات...لقد قال لنفسه أنه أصبح الصوت الشجي الذي يرتقبه كل ذي قلب و كل عاشق عند المذياع و للأسف كان الوقت متأخرا لإقناعه بالتنازل عن مشروعه..
في أحد التجمعات العائلية طلب من خاله أن يهدأ الأصوات الثرثارة لكي يسمعهم صوته العندليبي..و ما إن سمع خاله منه ذلك حتى صفق بصوت عالٍ و قال لهم أن ابن اخته العزيز سيصدح مغنيا
كانت لحظة مميزة عائليا...أخيرا سيحصل شيء جديد يكسر هذه الرتابة في الثرثرة الانهائية...بدأ مغنينا الشاب بالغناء....و انتابته الربكة مرة أخرى و مر بحالة التعرق و النظرة العميقة اثناء الغناء وعندما إنتهى صفق الجميع بحرارة
*كان ذلك مبهرا*
مرة اخرى نظر لوجهه الحزين في المرآة...و قال لنفسه الآن ستتغير ملامحك...ستكون لك الإبتسامة الباردة إياها
التي تراها على وجوه النجوم في الإعلام وعندما يسلم على طفل...او جار او صديق يبتسم إبتسامة تنم عن تواضع و عندما يسأل إلى أين أنت ذاهب سيقول لدي بعض العمل و اعتاد إستعمال العبارات المبهمة لكي يدلل على كثرة مشاغله...لقد تقمص شخصية النجم
و في إحدى ليالي المهرجانات الصاخبة...في إحدى المنتزهات السياحية وجد مقدم البرامج أنه من المسلي أن يسأل الجمهورهل لدى اي احد منكم إضافة؟؟ قام على الفور المغنى الشاب و هو ممتلأ..و سأل المقدم إن كان بإمكانه الغناء
وبالفعل تحمس المذيع للفكرة فما كان منه إلا أن بدأ بالغناء واستمر يغني ولا يأبه لنظرات المذيع التي ترجوه ان يتوقف لان وقت البرنامج السياحي أزف و هو لم يكن يتوقع أكثر من دقيقتين من الغناء المتحمس و لكن صاحبنا إسترسل بالغناء..إلى أن إضطر احدهم إلى فصل كيبل الكهرباء لأجهزة الصوت لكي يتنبه المغني المغمورو بعدها إلتفت وراءه لكي يرى المخرج يشير إليه بعلامة التوقف...و المذيع يسترجع منه المايكرفون و يشكره على مشاركته القيمة و عندما نزل من على خشبة المسرح سمع احد الجمهور يصرخ به..يا أخي صوتك نشاااز!! هكذاسمع منه هذه العبارة كالسم...لدرجة أنه شعر برغبة في قتله و لكنه لم يرد عليه و رجع البيت...و هو يفكر في كون بعض من يسمع صوته يغار منه
في الحقيقة لم يكن صوته جميلا...بل كان صوت مبحوح يختلط في كثير من أحرفه...غنائه كان اقرب إلى الصراخ منه إلى الألحان الجميله...
للأسف نحن نستقبل هذا المغني دائما في حفلاتنا فنحن نسمح للشخص لمجرد أن له جرأة في الأداء أن يسمعنا ما يريد و نسمع نحن ما يقول و يمنعنا الحياء أن نتكلم ..احيانا نتحمس لأفكارهم و أدائهم مجاملة منا ولكن ذلك على حساب أوقاتنا و أفكارنا
أخي القارئ إحذر من هذا المغني و اطرده فورا من حياتك ولا تجعل المجاملة على حساب أفكارك ووجهات نظرك ووقتك هذا المغني قد يكون نائبا في البرلمان و قد يكون تاجرا بارعا و قد يكون موظفا جديدا يملأه الحماس لأفكاره
إذا رأيته يصدع بصوته بقوة على حساب أصوات الجلوس فاعلم أنه يجب أن يستحمل أن يكون الرد عليه بصوت يسمعه الجلوس أيضا و بنفس القوة ليس عيبا أن نناقش ذوي الأصوات العالية و أن نخبرهم احيانا ان اصواتهم لا تعجبنا
في البداية نجامل و نصمت حتى تتشرب قلوبنا أصواتهم و نسلم بوجهات نظرهم من دون تفكير أو إعمال للعقل
هكذا خلقنا الله أحرارا
نسمع بآذاننا و نقذف الرد من حناجرنا
فإن إستسلمنا لكل ناطق
سنرى إبليس أو نكاد نراه
و هو يشير إلى الشجرة المحرمة
و هو يقول
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق