الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011
الإصلاح التعليمي
التعليم عملية يتم من خلالها محاولة نقل المعلومة من الملقي إلى المتلقي..
فهل هذا فعلا ما يحدث في المؤسسات التعليمية؟
يبدو أن المشكلة الكبرى هو إفتراض أن المؤسسة التعليمية توفر شخص يلقي المعلومات بشكل شفوي وأنها بذلك قد قامت بدورها التعليمي بنقل المعلومة والأغرب من ذلك هو إدعاء قدرة هذا المعلم على نقل السلوك إلى الطلبة وليس فقط المعلومة! وهذا سر تسمية المؤسسات التعليمية بالمؤسسات التربوية في عدة دول وتسمية الوزارة القائمة على التعليم بوزارة التربية في الكويت.
الحقيقة التي عايشتها ورأيت غيري يعيش عليها هو أن المؤسسة التعليمية تطلب منك المكوث بوضعية معينة في مكان معين بشكل إلزامي ولمدة معينة ومن ثم تسألك عدة أسألة فإن جلست في ذاك المكان وأجبت عن هذه الأسئلة تكون قد أتممت العملية التعليمية والتربوية!
والمهمة الأساسية للأستاذ هي نقل المعلومة المكتوبة في الكتاب وجعلها معلومة شفوية، ويكون الأستاذ غاية في المثالية إن هو سأل بعض الأسئلة وأدار حوارا في موضوعات المقرر الدراسي.
لنكن واقعيين، ما الفائدة المرجوة من قيام الطالب باختزال المعلومات قبل الإمتحان بفترة قصيرة ليقوم باستفراغها في الإمتحان ومن ثم المحاولة جاهدا على محو هذه المعلومات غير المرغوبة والكابوسية أحيانا من دماغه!
إن الإجابة التي يتحفنا بها التربويون أن الخلل هو في سلوك الطالب كونه لا يذاكر يوميا وكلام هؤلاء مردود عليهم فجلوس الولد في بيته والمذاكرة يوميا ليس سلوكا طبيعيا في نفسية الطفل!! القراءة عملية رتيبة وجامدة لا تستقيم مع نفسية الطفل بحواسه المنطلقة وفضوله القططي وطاقته المتفجرة، إن الطلب من الطفل الجلوس والقراءة هو عملية عسكرية لا تتناسب مع عمر الطفل والمراهق بل هي اشبه بأن نطلب من شيخ كبير في السن أن يقوم بالقفز والنط والجري ولعبة شد الحبل ولعبة الكراسي.
وكما قال السير كين روبينسون في عرضه الكوميدي لصدأ الأنظمة التعليمية الحالية فإن نظامنا التعليمي هو من مخلفات الثورة الصناعية، غاية ما يستطيع فعله هو أن يخرج معلما أو أستاذا للجامعة بحيث يستطيع المتفوق أن يعيد المعلومات التي سمعها مرة أخرى بإجادة ومع أمثلة تسهل الفهم ولم يكن الغرض منه هو إخراج شخص يتقن حرفة أو مهنة أو مزاولة عمل ولا يتصور أن تكون مخرجات التعليم سببا في إبداع الطلبة وبين ذلك كله تجد بعض الاجتهادات الفردية ذات المردود الإيجابي داخل المؤسسة التعليمية إلا أنها بعيدة عن النظام العام للمؤسسة التعليمية كما نعرفها.
ما الحل إذن؟
إذا كان الفرد يعيش في هذا العصر إثارة حسية متسارعة وغير مسبوقة فالإعلانات تخطف بصره والفيديوهات بمؤثراتها تشغل حواسه والهواتف الذكية يتفاعل داخلها عالم كامل مصغر ومواز للعالم الذي نعيشه فالواجب أن تكون هناك وسائل للتفاعل مع المعلومة وإيصالها للطالب بحيث تسير بشكل متواز مع جهد المدرس داخل قاعة الدرس.
أولا: المناهج الدراسية مفرغة في أفلام وثائقية:
تفريغ المناهج الدراسية على شكل أفلام وثائقية يسهل عملية تحصيل المعلومة ومذاكرتها خصوصا إذا كان إخراج الفيلم الوثائقي مشوقا، ويخبر المختصون في الذاكرة كتوني بوزان أن المعلومة المقروءة هي أسهل المعلومات فقدا والمعلومة التي تقرأها وتسمعها وتراها تكون من أصعب المعلومات على النسيان وأسهلها على الإقتناء والإستدعاء.
ثانيا: تزويد المدرس بأمثلة محلية ومعاصرة للمعلومات المذكورة:
من السهل إستيعاب المعلومة التي يقترن مثالها في العناصر المحلية والمحيطة في الطالب إبتداء من الجملة التي تحتاج إلى إعراب ومرورا في أغلب المواد الاجتماعية وحتى العلمية منها،فربط أخبار الجرائد المتداولة بالمعلومات الدراسية وربط القصص التاريخية وضرب الأمثلة في الأسماء المحلية تسهل إمتصاص المعلومة للطالب.
ثالثا: تفريغ دروس نموذجية للمقرر الدراسي على شكل فيديوهات يرجع لها الطالب وقت الحاجة:
وأقصد هنا إختيار مدرس لإلقاء كافة دروس المقرر وبشكل نموذجي ومجرد بحيث يستطيع الطالب أن يتلقى المعلومة من مصدر آخر، خاصة إذا لم يكن منسجما مع مدرس الفصل.
ولكم في تجربة سلمان خان عبرة!
رابعا: الإعتماد على أسلوب الحلقات النقاشية في الفصل الدراسي:
والشاهد هنا هو أن العبرة في إقتناء المعلومة هو في إستخدامها في نقاشنا وحياتنا العملية فيكون الفصل الدراسي هو حلقة نقاشية منعقدة دائما وموضوعها كيفية الإستفادة من معلومات المقرر.
تذكر أن عدم إقتناع الطالب بفائدة المعلومة هو من أهم أسباب إنزلاقها عن ذهنه!
خامسا: إعطاء تعليم المهارات قيمة موازية لتعليم المعلومات المجردة:
إذا نظرت إلى شخص لا تعرفه وسألت عن شيء من الممكن أن تحتاج هذا الرجل به، ستكون الإجابة غالبا مرتبطة بالأداء وليس بالمعلومات، فلن تستوقف رجلا في الشارع لكي تسأله أين تقع قارة أنتارتيكا مثلا؟
وكذلك المجتمع لا يطلب من الفرد أن يعطي معلومات تخصصية في الهواء ومن دون تطبيق فالقيمة الحقيقية للمعلومة هو في مدى أداءها وتأثيرها في المجتمع.
وكذلك لابد أن يكون وزن المعلومات في المناهج الدراسية تتدرج أهمية من المعلومات المؤثرة إلى المعلومات العامة ولابد لذلك أن ينعكس على أسئلة الإمتحانات ودرجات النشاط الصفي.
سادسا: تنويع الخيارات التعليمية:
لمن لا يتخيل المدرسة على هيئة فصول دراسية مع عدة كراسي وطاولات منتظمة بشكل مستقيم فإن للتعليم صور أخرى أقل شهرة، على سبيل المثال فإن التعليم في شرق آسيا كان يتم على يد الرهبان البوذيين وطريقة الدرس أن يقوم الراهب بالمرور على الطلبة وهم عاكفون على ما في أيديهم فيوجه كل شخص على حدة بحسب ذكائه وسرعته ويعطيه تمارين تتناسب مع عقليته.
ولمن لا يتخيل الدفتر الدراسي إلا مسطرا ومنظما وأن الخربشة في أثناء المحاضرة سلوك سيء للطلبة فليقرأ هذه التدوينة التي تبين فائدة الخربشة على نفسية وأداء الطلاب!
فتنويع الخيارات التعليمية لم يكن يوما شرا والجمود على المفاهيم القديمة سيعيد تكرير السلبيات في كل جيل يمر بقنطرة التعليم النظامي المعتمد حاليا!
أخيرا فإن العملية التربوية تحتاج إلى إصلاح جذري وراديكالي إن صح التعبير بمعنى أن يتم إعادة تقييم ودراسة كل العناصر التربوية وفرزها مجددا حسب المعطيات الجديدة والحاجات في هذا العصر..
ويبقى السؤال معلقا....من سيبادر لهذا التغيير؟
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق