الخميس، 27 مارس 2008

مدرسة الفقراء

من الصعب تجريد الحياة عن مضمونها المادي
من الصعب أن ينتزع الإنسان نفسه من ثوب حواسه الخمسه و متعها و لذاتها و شهواتها
و العامل المشترك و المميز للذات الحسية أنها تشغل عن اللذات الروحية و النفسية التي يشعر بها الإنسان
تؤدي إلى الإنغماس التام و ضعف الإحساس إتجاه كل ما ليس له كتلة و يشغل حيزا من الفراغ
المادة أصبحت سيدة الموقف...و تحسم قرارات الإنسان إتجاه أوضاعه المصيرية
...
إذا كنت تريد أن ترى الكرة الحمراء ذات اللون المتلألأ و تفاصيلها فإنه يكفيك لذلك أن تبعد وجهك عن الإلتصاق بهذه الكرة
فلكي ننظر إلى واقع حياتنا يجب أولا أن نتعلم أن نحرم انفسنا من بعض هذه اللذات و تقييم موقفنا المنغمس فيها
و ربما يكون الفقراء هم أهل الصنعة في تقييم المادة...فالفقير الحكيم غير المتذمر يعطيك صورة واضحة عن نسق الحياة و كيفيتها
***
لقد كان الفقراء دائما يعيشون في الهامش في المجتمعات
لا تذكرهم كتب التاريخ و لا تجد لهم صورا خلدها بعض الفنانيين
كتب فيكتور هيوغو قصته البؤساء فأغرقها بتفاصيل عالم الأثرياء
و كانت نظرة المجتمع إلى الإنسان الفقير أنه يستطيع أن يعيش بطريقة ما...سوف يجد ما يأكل...لن يموت من الجوع
و قد قيل قديما إن الأحدب يعرف كيف ينام!! و هذا ما يجعلنا مبتعدين عن الطبقة الإجتماعية الأكثر حاجة و عوزا
***
الفقر صفته أنه منسي...و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الفقر المنسي...فهو ينسي كل شيء
و الفقر يجعل الإنسان الكادح يجعل كل طاقته في سبيل تحصيل لقمة العيش و شغف الحياة
و قد قال الشاعر:
يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلق دونه ابوابها
وتراه مبغوضا وليس بمذنب ويرى العداوة لايرى اسبابها
حتى الكلاب اذا رأت ذا ثروة خضعت لديه وحركة اذنابها
وإذا رأت يوما فقيرا عابرا نبحت عليه وكشرت انيابها
***
و لكن الذي لا نراه في الفقير هو ان نظرته للحياة صارت مجردة..و الفقير اكثر قابلية للتسامح و التدين و تقبل القيم الأخلاقية
و الفقير سلم الأغنياء إلى دار النعيم....الفقراء كثر...و هم جزء من إمتحان عظيم في الأموال التي بين أيدينا
الفقراء أكبر برهان على أننا مغبونين في هذه الدنيا إذ يدخل المؤمن الفقير الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة سنة
و الفقير أقل مقدرة على إقتراف المعاصي من الأغنياء نظرا لأن كثير من المعاصي سببها المال و الترف
و من ناحية التقدير الشخصي فالفقير اكثر تقديرا للمال و أكثر حكمة في علاقاته الإجتماعية و أقل تهورا في الإندفاع نحو الجديد
نظرة واحدة تكفي لحسم الموضوع
نظرة لوجه النبي الأمي الذي اختاره الله لختم رسالاته للبشر
نظرة لوجه النبي صلى الله عليه وسلم تكفي عن كل شيء
وهو يقول
أيها الناس والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم
***
لا أزال أشعر أن مدرسة الفقراء عميقة الأثر على الإنسانية ككل
و من إيحاء هذه المدرسة وجدت مقالا للأديب مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه النظرات بعنوان الغني و الفقير
يحكي في صدر مقالته أنه مر على رجلين...أولهما كان فقيرا و كان يضع يده على بطنه من شدة الجوع..و الآخر غني ورآه و ياللعجب يشتكي من بطنه و يضع يده على بطنه من التخمة....
يقول المنفلوطي:ياللعجب! لو أعطى ذلك الغني ذلك الفقير ما فضل عن حاجته من الطعام ما شكا واحدٌ منهما سقما ولا وجعا
و يقول: ما أظلم الأقوياء من بني الإنسان و ما أقسى قلوبهم ينام أحدهم ملأ جفنية على فراشه الوثير ولا يقلقه في مضجعه انه يسمع انين جاره
و يقول: أحسب لولا أن حاجة الأقوياء إلى الضعفاء يستخدمونهم (...)لامتصوا دماءهم كما اختلسوا أرزاقهم و لحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش
و يقول:لا أستطيع أن أتصور الإنسان إنسانا حتى أراه محسنا
***
فكما أن حالة الفقر علمت هذا الكاتب وهو من كبار الموظفين و من الميسورين ماديا في زمنه علمته مدرسة الفقر كيف يستشف قلوب الناس و علمته الرقة و الصبر و الأناة و الفضيلة فإن في مدرسة الفقر مناهج كثيرة و متنوعة و مفيدة لمن ينظر في حالها
فإذا رأيت أحد الفقراء من الذين أنعم الله عليهم بنعمت الصبر و المصابرة فتعلم منه فإنه يعلم الكثير
***
و أختم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم
"اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين"

الأحد، 9 مارس 2008

بيتزا الحياة

لم يكن عبدالعزيز من الذين يستسيغون طعم الزيتون

و لم يكن يحب حتى أن ينظر إليه

و في حفلة تخرجه كان الفرح يبدو على وجهه....الهدايا و كلمات الإطراء

الوجوه الباسمة و المتبسمة

و عندما حان وقت العشاء أكل سريعا و هم بالخروج مع أصحابه

كانت المفاجأة أن البيتزا التي تناولها في العشاء مليئة بالزيتون و بالبصل كذلك الذين لم يكن يحبهما بيوم من الأيام

الحياة...ربما لا نستسيغ بعض تفاصيلها...و لكن مثلما تتكون البيتزا من مواد غير مرغوب بها بالنسبة لعبدالعزيز فإن البيتزا تحتوي أيضا على طعم الجبن و اللحم المفروم و خبز البيتزا و صلصة الطماطم
...و نحن كذلك يجب أن نبتلع بيتزا حياتنا من دون أن نركز على الزيتون في حياتنا اليومية

فإننا إن مضغنا بيتزا الحياة فسنجد من المتعة و اللذة و الشبع ما لا نجده و نحن نحدد مواضع الزيتون في كل قطعة بيتزا حياتية
الحياة تحتاج إلى مرونة...الحياة تحتاج إلى آكل بيتزا متمرس! يلتهم احداثها جميعا! و يشعر بطعم الحياة بشكل موحد

الثلاثاء، 4 مارس 2008

صحفي عادي جدا

سراب القيم يجعلني أتقيء مفاهيم الحاضرو صوت الضمير غدا أسير الأحبال الصوتية لا يتعداها إلى ما سواها
والجديد في هذا كله أنني أصبحت إنسانا ناضجا تعلمت أن كل شيء نسبة و تناسب
و صرت أرضى بالأمر الواقع
والأمر الواقع هو أن تمكن هؤلاء الأقوياء أن يصنعوا لك واقعا يتلائم
مع النهم الإقتصادي لهؤلاء السادة الممتلئين
وبعد أن كنت مقداما شجاعا
أصبحت أنظر في مكتبي الفخم لكي أصنع نظريات تجعلهم جبناء و هم قد ماتوا في ساحة المعركة
و تجعلني حكيما إذ لم أكن معهم في ساحة المعركة
أوراق...أصنع بها الحقائق التي يريد أن يسمعها الناس
أوراق أبرئ فيها نفسي عن كل ذنب
كلمات أمجد فيها السادة الذين يغدقون علي من كل ما أفاء الله عليهم من نعم
أخيط على وجل أثوابهم الممزقة و أصلح أقبية أخلاقهم
مهنتي الجميلة بعيدة عن الروتين
و لكنني لم أعلم قط أنني من خلال هذه المهنة سأستطيع أن أزور حواس الإنسان و إدراكه
لكي تكون صحفيا ناجحا فأورد شيئا يحتوي على الإثارة
و الإثارة تعني الخروج عن المألوف و إيراد الغرائب
أو طرح قضايا تتعلق بالجنس فهي دائما رائجة
***
عندما كنت صغيرا ووجدت صورتي على إحدى الصحف اليومية
سألت نفسي سؤالا محيرا
لماذا أبدو اجمل بصورتي التي في الجريدة؟
و الذي علمته بوقت متأخر أن العدسة الصحفية تجمل من ترضى عليه لأبعد الحدود
ستجد قوما لا تحبهم الصحافة و تشوه صورتهم
و قوما آخرون يمجدونهم
و انتقل شطر العمل الصحفي من نقل الحقائق للناس
إلى إفتعال الأحداث و الإخراج الفني لمسلسل التمجيد لهؤلاء و البراءة من هؤلاء
و يبدو أن الشخص المحايد هو الذي يتعامل مع الصحف و المجلات من منطلق الإسرائيليات في الرواية
لا نصدقهم ولا نكذبهم
حتى يظهر لنا من الله بينة
فهل أنت محايد؟