الأربعاء، 27 فبراير 2008


كان رجلا مسحوقا

قليل المال

ضعيف البنية

كثير الشكوى

عديم النفع!

لم يكن صيادا ماهرا

و لكنه لم يتوقف عن الصيد قط

لقد كان يثبت وجوده من خلال فن المحاكاة فقط!

كان يمثل أنه يعمل و يصطاد بضع سمكات كما يفعل أي هاوي للصيد و يرجع بها إلى البيت

وصل إلى مرحلة من المراحل

قريبة من اليأس و لكنها ليست كذلك

يكاد يقنط و يتمرد على واقعه و يسخط على ماضيه و حاضره و يأد مستقبله

في أحد الأيام كانت السماء صافية...و الريح هادئة

كان صمتا ينذر بألف إنذار

إنه صمت الوحش لكي يبتلع ريقه أو فريسته! أو هو الصمت قبل الخطبة البليغة و صمت القاضي قبل نطقه بحكم الإدانة

انتظر هنيهة و بدأ يسمع صوتا أقرب إلى الهمس

قريبا من أذنه

صوت أقرب إلى جرس مكتوم بين جدران تحبس رنينه

ركز أكثر في الصوت و حاول البحث عن مصدره

بدأ الصوت يتضح شيئا فشيئا

أخذ يحدق بقربه و يتلفت ببلادة

عله يجد شيئا يدله على مصدر هذا الصوت

بدأ يتبين الأحرف

كانت تقول له

أنت أيها الصياد المغفل!! ألا تراني

فلما نظر إلى شماله فكأنه يراها تنظر إليه

كانت جنية من الجن الذين يشاغبون أهل الحرف ممن يعملون لوحدهم

فيفتعلون معهم قصة تتوارثها الأجيال و يتولى كل جيل إصدار الطبعة الجديدة المنقحة من هذه الأسطورة



نعود إلى الجنية

...

الجنية:أنت أنت أيها المغفل...ألا ترى أنك تصطاد في منطقة مهجورة؟؟

الصياد: هه؟؟ ماذا؟؟

الجنية:أنت تفعل ذات الخطأ كل يوم أفففففف لك، ضجرت و أنا أراقبك

الصياد:أنا لا أراك؟؟ اين انت بالضبط؟

الجنية:يا إلهي هذه أكبر إهانة تلقيتها في حياتي و تكلمني بصيغة المذكر أيضا!!

الصياد:انت فتاة؟ اين انت لا اراك..؟

الجنية:لن تراني...أنا مجبرة كل يوم أن أنظر إليك و أنت تصطاد فأنا من حراس قلعة ملكنا فهو يعمر الوادي المجاور و أنا أتولى حراسة هذه الزاوية منذ ثلاث سنين...كنت في البداية أراقبك و لكنني توقفت عن ذلك..يا إلهي أنت ممل

الصياد:إذن أنت جنية؟؟ جنية؟؟ يا إلهي...هل آذية أحد أولادك و أنا أصطاد؟؟ هل ستأذينني؟؟

الجنية مقاطعة له: لن أأذيك...و لكنني كنت أريد أن أسدي إليك نصيحة لعلك تذكرنا معشر الجن بخير و لعلي أنظر إليك فلا أمل و أنا في حراستي لقصر جلالة ملكنا المعظم

الصياد:آآمممم

الجنية:لماذا أنت صامت؟؟

الصياد: لا أدري ماذا أقول..

الجنية:قلت لك أريد نصيحتك

الصياد:ت ت تفضلي أنا أسمعك

الجنية:هلا تحركت جهة الشرق قليلا فإن السمك يعدو في تلك الجهة أكثر من الجهة التي تقصدها كل يوم

الصياد:لا لن يأتي...لقد جربت ذلك كثيرا...أنا أضمن أن السمك ياتيني في هذه الجهة كل يوم

الجنية:ويل لك ألا ترى أن غيرك من الصيادين يصطادون أضعاف ما تصطاد و يبيعونه و أنت لا تصطاد ما يصلح لعشائك؟؟

الصياد:قلت لك أنني أعرف ماذا أفعل..ثم إن صنارتي لم تعد تصلح للصيد و الجو اليوم لا يساعد على توافد السمك

الجنية:هلا كنت متفائلا قليلا و جربت خلاف ما إعتدت عليه لعلك تظفر بأكثر مما اعتدت عليه

الصياد:و انت هلا جربت أن تغيري مكان حراستك...اخبرتني انك تحرسين نفس المكان منذ ثلاث سنين

الجنية:الأمر مختلف جدا!!! لا ينبغي لجنية مثلي أن تحدث إنسيا مثلك كثيرا...

الصياد:هل أنت غاضبة؟؟ أرجوك لا تفعلي لي شيئا أنا رجل فقير و مسالم

الجنية:لقد ندمت إذ قررت الكلام معك يبدو أن كل شيء فيك ينصحك بالتغير و لم تنتصح بنصح الناس ولا بنصح عقلك و أصغيت لكسلك

أنا ذاهبة الآن وداعا

***

أخي القارئ

الصياد يمارس عمله في ساعات محددة كل يوم و إذا إفترضنا أنه يقوم بذلك لمدة سبع ساعات فإنه سيقضي الساعات السبع في عمله لا محالة...فما هي الخسارة في أن يطور نفسه و هو يقضي كل يوم هذه الساعات في العمل مع العلم أن غيره من الصيادين يقضي ذات الساعات و يتفوق عليه

و الصياد لا يحب أن يغير ما إعتاد عليه و يظل يصطاد من نفس المكان

و الصياد لا يلوم نفسه أبدا فلديه الصنارة و الجو و الطعم و الموسم فهو يلوم الظروف دائما و يجد في ذلك راحة نفسية و دفاعا مستساغا عن نفسه

و هو غير متفائل بالمرة و صيغة التشاؤم هي التي تطبع شخصيته على ممارسة ذات الأفعال لكي يتحقق ما يشغل باله من أفكار سلبية
و هو غير قنوع فالقنوع من يقنع بما كتب له مع جهده ولو كان قليلا أما هو فلا يرضى عما قسم له ولا يبذل السبب لزيادة ذلك

و هو كذلك لا يسمع النصح ممن حوله حتى و إن جائه النصح من جنية تعرف مكان صيده منذ ثلاث سنوات
و هو كذلك يعطي الجنية سلطات و يخوف نفسه منها من دون أن يكون لهذه الجنية فكرة عن هذه الرهبة فهو يخاف من أشياء لا تدري أنها مخيفة...و قد يخاف من محافظ المدينة و من حاكم القرية و من غيرهم من الناس من دون أن تكون لهم هذه الرهبة

أيها القارئ الكريم

أنظر إلى وجه الشبه بينك و بين هذا الصياد

ثم استأصل ما تشابه بينك و بينه

فرب جنية أسدت لنا النصائح و لم ننتصح بنصحها

و هذه الجنية قد تنطق بنصيحتها في جريدة أو من فم أحد أقربائك

الحياة مرونة و تجربة

فلا تهدم متعة الحياة بقسوة الكبرياء و حب المألوف




الثلاثاء، 5 فبراير 2008

الجميل ما تراه جميلا



كنت أتلذذ و أنا أنظر إلى العصافير و هي تبحث في كل مكان عن رزقها قبل أن تغرب الشمس


أحيانا أراها تحتمي من لهيب الشمس عند نافذتي


و كنت أتلذذ عندما أسمع زقزقة العصافير ...كنت أتلذذ عندما أكون معهم و أتلذذ عندما أرى على نافذتي جمهورا

يتطفل على خصوصياتي و مع ذلك لا يأبه بي

الطبيعة الخضراء لا تحتاج إلى مهندس ديكور فهي دائما متناسقة و جميلة

شخصيا لا أجد ما يوازي لذة التعايش مع هذه الطبيعة


كنت أستمتع بالجلوس هنا...و الوقوف هناك


في الواقع


إن ما يجعل أي شيء ممتعا ....هو


أننا نراه ممتعا


و إذا بدأنا بالنظر إلى كل شيء على إنه أمر محبب للنفس فهو كذلك


العملية ليست بهذه البساطة...ربما...و لكن الأمر كذلك


فلم تكن الشجرة المحرمة في الجنة بأفضل من باقي الأشجار


و لكن الشيطان يحاول أن يحبب الأمر لآدم و حواء


فجعل لهذه الشجرة شأنا.....و أصبحت كذلك...بعدما كانت محرمة و بعيدة عن ناظريهما أصبحت الشغل الشاغل لهما


إلى أن خرج ابوانا من الجنة


و لا يقوم الشيطان بشيء مختلف حتى بعد كل هذه السنين


فلا يزال يكلمنا عن هذه الشجرة ويقول لنا نفس الكلمات


لا زال يقول لنا إنها شجرة الخلد و ملك لايفنى


هي شجرة الخلد لأن الإنسان عندما يعصي يعتقد في نفسه الخلود فلا يفكر في الموت


و ملك لا يفنى هو حب الإنسان للتملك و الإحراز حبا لا يوازيه حب


و إن كان الشيطان لا يخاطبنا عن هذه الشجرة إلا أنه لا يزال يخاطبنا عن ثمارها


فمن بين كل الأشياء التي نستطيع النظر إليها يشجعنا على النظرة المحرمة


و من بين كل المشروبات المباحة يشجع على الخمر


و كل ما يقوم به الشيطان أنه يحسن نظرتنا إتجاه الأشياء المحرمة و يزينها بأمور ليست فيها


و يبدو أن ذلك يعمل و على مستوى البشرية فلا يزال الإنسان يقطف من هذه الشجرة


و عليه أن يفعل كما فعل أبوه أن يتوب و يستر على نفسه ويغطي سوأته


جمل الأمور المفيدة و المباحة و المستحبة شرعا في نفسك...و حببها إلى ذاتك و اجعل متعتك في طاعة الملك جل و علا


فإنك إن فعلت ذلك لم تشقى و لم تخزى


صحح تفكيرك و غير نظرتك للأمور


فإنك إن فعلت ذلك كنت من الفائزين